التغير المناخي.. «الهلاك» ومنكروه!
حين بلغ شون يورا 26 عاماً وكان يعمل مهندساً، بدأ بمشاهدة أفلام وثائقية عن تغير المناخ.وشعر «يورا» الذي كان يعاني الاكتئاب وفقدان أحد أفراد أسرته، بالرعب بعد ما عرفه عن ذوبان الجليد وتصاعد احتمالات تطرف المناخ. وبدأ يقضي ساعات على «يوتيوب» يشاهد مقاطع فيديو صنعها علماء حذروا من أن العالم يتأرجح على حافة الانهيار المجتمعي أو حتى الانقراض البشري على المدى القريب، وبدأ بإخبار أصدقائه وعائلته أنه مقتنع بأن تغير المناخ لا يمكن إيقافه، وأن البشرية محكوم عليها بالفناء. وأصبح، كما يقول، من المنذرين بقيامة المناخ.
وأضاف أن الأمور تفاقمت وقادته إلى «طريق مظلم للغاية. أصبحتُ فيه غير مكترث بشدة، وشعرت بالرغبة في الاستسلام التام». وأصبحت هذه النظرة القاتمة لمستقبل الكوكب أكثر شيوعاً.
ونتيجة وابل من التقارير القاتمة للأمم المتحدة - مثل التقرير الذي نشرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الآونة الأخيرة - والعناوين السلبية، تعتقد مجموعة من الناس أن مشكلة المناخ لا يمكن حلها أو لن يتم حلها في الوقت المناسب لمنع الانهيار المجتمعي الشامل. وهؤلاء يطلق عليهم المنذرين بقيامة المناخ. ويخشى بعض العلماء والخبراء من أن خطورة انهزاميتهم التي قد تقوض جهود اتخاذ الإجراءات قد تعادل خطورة إنكار المناخ.
ويرى «زيكي هاوسفاذر»، وهو مؤلف مشارك في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة «لا جرم إذا قلنا إن كثيرين منا في الآونة الأخيرة من علماء المناخ أمضوا وقتاً في الجدل مع المنكرين أكثر مما أمضوه مع المنذرين بقيامة المناخ». وهناك أطياف مختلفة من المنذرين بـ«قيامة المناخ».البعض في منتصف العمر وقد تأثروا بعلماء أعلنوا آراءهم- مثل عالم البيئة المتقاعد جاي ماكفرسون الذي يدعي أن الانقراض البشري، أو على الأقل انهيار المجتمع، بات وشيكا.
وينجرف هؤلاء المنذرون بالقيامة نحو نظريات المؤامرة، ويزعمون أحياناً أن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقلل من شأن خطورة هذه القضية. وكتب ماكفرسون في رسالة بالبريد الإلكتروني يقول، إنه على الرغم من أنه «ليس من المؤيدين للانقراض... لكن ما يسمى بالطاقة الخضراء في صورة الألواح الشمسية الكهروضوئية وتوربينات الرياح لا تقدم أي مخرج من حالة الطوارئ المناخية المستمرة».
والبعض الآخر من الشباب، وهم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أصيبوا بالإحباط بسبب سنوات من العناوين السلبية. وذكر تشارلز ماكبرايد، وهو من مستخدمي «تيك توك»، في مقطع على موقع التواصل الاجتماعي العام الماضي أنه «منذ عام 2019 تقريباً، اعتقدت أنه ليس هناك ما يمكننا فعله لتغيير مسار تغير المناخ على نطاق عالمي». ولنزعة التحذير من الهلاك البشري جراء التغير المناخي جذور عميقة في التاريخ. فقد توقع ماكفرسون، على سبيل المثال، زوال الحضارة الإنسانية منذ عقود. لكن العقلية أصبحت أكثر انتشاراً بشكل ملحوظ فيما يبدو في السنوات الخمس الماضية.
وترى «جاكلين جيلش، وهي عالِمة مناخ بجامعة «ماين»، أنها بدأت في عام 2018 تسمع أنواعا مختلفة من الأسئلة حين تحدثت في حلقات نقاشية أو في نقاشات عبر «الإنترنت». وأضافت أنها بدأت تتلقي رسائل بريد إلكتروني، مثل «أنا شاب. هل هناك مغزى من مجرد الالتحاق بالجامعة؟ هل سأكون قادراً على النمو وإنجاب أطفال؟». وقبل جائحة «كورونا» بوقت طويل، اجتمعت بعض العوامل لجعل عام 2018 يبدو وكأنه عام القيامة.
وكانت الأعوام 2015 و2016 و2017 هي السنوات الثلاث الأكثر توتراً على الإطلاق. وبدأت الاحتجاجات المناخية في الانتشار في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مدرسة الإضراب بقيادة جريتا تونبري ومجموعة الاحتجاج التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها والمعروفة باسم تمرد الانقراض.
وفي العالم الأكاديمي، كتب أستاذ الاستدامة البريطاني جيم بندل ورقة بحثية بعنوان «التكيف العميق»، وحثت القراء على الاستعداد «لانهيار مجتمعي لا مفر منه على المدى القريب بسبب تغير المناخ». ولقيت الورقة انتقادات واسعة النطاق من كثيرين من علماء المناخ. ثم أصدرت الأمم المتحدة تقريراً خاصاً بشأن تقييد ارتفاع حرارة الكوكب فيما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية في أكتوبر 2018، وهو ما فاقم بشدة قلق كثيرين بشأن المناخ.
وتضمن التقرير الذي ركز على كيفية مقارنة الزيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة مع ارتفاعها بدرجتين مئويتين، وعلى تنبؤات قاتمة مثل موت الشعاب المرجانية في العالم وذوبان جليد القطب الشمالي صيفا. لكن الرسالة المحورية التي اعتقد كثيرون أنها في التقرير رغم أنه كان خاليا منها تمثلت في أنه لم يتبقَ سوى 12 عاماً لإنقاذ الكوكب.
لكن هذا جاء في عنوان صحيفة جارديان. وفي ثلاثة من المسارات الأربعة التي رسمها التقرير للحد من ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية، سيتعين على العالم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ما بين 40 و60 بالمئة بحلول عام 2030. وجاء في عنوان جارديان «لدينا 12 عاماً للحد من كارثة المناخ» واتبع جارديان منافذ إعلامية أخرى وسرعان ما أصبحت العبارة صرخة حشد للناشطين.
ويرى هاوسفاذر- المشارك في تأليف تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ- أن جزءاً من المشكلة هو أن الأهداف المناخية- مثل، هدف تقييد ارتفاع درجة حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية - قد فسرها الجمهور على أنها حدود قصوى مناخية ستجعل الكوكب بيت زجاجي. ولا يعتقد العلماء في الواقع أن هناك شيئاً فريداً في درجة الحرارة تلك من شأنها أن تتسبب في حدوث نقاط تحول غير متوقعة، بل يستهدف التقرير التاريخي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فحسب إظهار أن مخاطر الآثار السيئة أعلى بكثير عند درجتين مئويتين منها عند 1.5 درجة مئوية.
لكن العلماء الذين يحاولون توضيح هذه الفروق الدقيقة يواجهون أحياناً عداء، خاصة عبر الإنترنت. وتؤكد «جيل»- عالمة المناخ بجامعة ماين أنه «إذا حاولت التراجع عن هذا بأي وجه من الوجوه، فسيتم اتهامك بالتقليل من شأن أزمة المناخ. لقد اتهمت بأني داعية لصناعة الوقود الأحفوري».
ومشكلة «قيامة» المناخ - بالإضافة إلى الأضرار التي قد تسببها للصحة العقلية، هي أنها قد تصيب المرء بالعجز عن التحرك. ولطالما اعتقد علماء النفس أن قدراً من الأمل، إلى جانب الاعتقاد بأن التصرفات الشخصية مؤثرة، قد يبقي الناس مهتمين بتغير المناخ. لكن دراسة أجراها باحثون في جامعتي ييل وكولورادو، خلصت إلى أن «كثيرين من الأميركيين الذين يقبلون أن الاحتباس الحراري يحدث لا يمكنهم التعبير عن أسباب محددة للشعور بالأمل».
ويعتقد معظم العلماء أنه من دون تخفيضات أعمق، يتجه العالم إلى ما يتراوح بين درجتين وثلاث درجات مئوية من الاحتباس الحراري. لكن درجات الحرارة المرتفعة مازال من الممكن حدوثها إذا لم يحالف البشر الحظ في كيفية استجابة الكوكب لمستويات أعلى من ثاني أكسيد الكربون.
لكن من الصعب تحقيق توازن بين القلق البناء أي الذي يحفز المرء على القيام بشيء ما وبين نوع من الهلاك القدري. وفي الوقت الحاضر، يحاول علماء المناخ التأكيد على أن تغير المناخ ليس اختبار حدي بين النجاح والفشل. فكل جزء من عشرة وكل جزء من مئة من الدرجة من ارتفاع حرارة الكوكب يتم تجنبها له تأثير وأهمية.
*صحفية متخصصة في شؤون المناخ.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»