طه حسيب (أبوظبي)

بدأ الوعي بضرورة حماية الطبيعة يتشكل عالمياً منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، وكان كتاب «الربيع الصامت» الصادر عام 1962 لمؤلفته «راشيل كارسون» مؤثراً في تعزيز هذا الوعي، آنذاك بيعت منه نصف مليون نسخة في 24 دولة، محتوى الكتاب ركّز على تأثير التلوث على الصحة العامة.

  • كتاب «الربيع الصامت»

 

وبعد نشر الكتاب بعام، ورغم إصابتها بالسرطان، أدلت راشيل كارسون بشهادتها أمام لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي بشأن مبيدات الآفات.

  • السيناتور الأميركي «جايلورد نيلسون».

 

وفي غضون ذلك كان السيناتور الأميركي «جايلورد نيلسون»، عضو مجلس الشيوخ من ولاية ويسكونسن، قلقاً منذ فترة طويلة بشأن تدهور البيئة في الولايات المتحدة، ففي يناير1969، لفت انتباهه الدمار الناجم عن التسرب النفطي الهائل في سانتا باربرا بواية كاليفورنيا.

نيلسون، أحد الجنود الأميركيين المشاركين في الحرب العالمية الثانية، قد نشأ في منطقة مجاورة لغابة نورث هايلاند أكبر غابة بولاية ويسكونسن، وبلور حبُه للطبيعة موقفَه السياسي بمجلس الشيوخ الذي أصبح عضواً فيه منذ عام 1948. وعندما أصبح حاكما لولاية ويسكونسن 1958 دشن برنامج الاستجمام في الهواء الطلق، حيث موّل من خلال فرض ضريبة على السجائر شراء مليون فدان من مناطق الترفيه داخل الحياة البرية.

أراد السيناتور نيلسون أن يستثمر طاقة الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب في تحفيز الوعي العام الناشئ حول تلوث الهواء والماء، وأعلن فكرة تدريس المشكلات البيئية في حرم الجامعات كي تستفيد منها وسائل الإعلام الوطنية.

  • بيت مكلوسكي»،

 

وأقنع  نيلسون «بيت مكلوسكي»، عضو الكونجرس «الجمهوري» عن ولاية كاليفورنيا المهتم بالحفاظ على البيئة، للعمل كرئيس مشارك له، وجندوا دينيس هايز الطالب الذي درس في جامعة هارفارد والمؤيد للطاقة الشمسية، للقيام بهذه المهمة.

كان دينيس هايز طالباً يبلغ من العمر 25 عاماً في مدرسة هارفارد كينيدي في عام 1969، لكنه ترك الدراسة بعد فصل دراسي ليصبح منظماً رئيسياً لمنظمة شعبية غير ربحية خططت لمسيرة وطنية في 22 أبريل 1970، وهو حدث يطلقون عليه اسم «يوم الأرض». وبرز هايز في عام 1970 كمنسق ليوم الأرض الأول، وخلال إدارة جيمي كارتر، تم تعيين هايز مديراً للمختبر الوطني للطاقة المتجددة.

آنذاك ألهم «يوم الأرض» 20 مليون أميركي أو 10% من إجمالي سكان الولايات المتحدة - للنزول إلى الشوارع والمتنزهات وقاعات الاحتفالات للتنديد بآثار 150 عاماً من التنمية الصناعية التي خلفت إرثاً متزايداً من الخطورة، والتأثير على صحة الإنسان. نظمت آلاف الكليات والجامعات فعاليات ضد تدهور البيئة داخل الولايات المتحدة الأميركية من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي في المدن والبلدات والمجتمعات. لتنظيم التدريس في الحرم الجامعي، اختاروا 22 أبريل، وهو يوم من أيام الأسبوع يقع بين عطلة الربيع والامتحانات النهائية، لتحقيق أقصى قدر من مشاركة الطلاب.

إدراكاً لقدرة هذا التوجه على إلهام جميع الأميركيين، قام «دينيس هايز»، ببناء فريق وطني مكون من 85 موظفاً للترويج للحفاظ على الطبيعة، وسرعان ما توسع الجهد ليشمل مجموعة واسعة من المنظمات. وأصبح اسم الفعالية «يوم الأرض»، والذي أثار على الفور اهتمام وسائل الإعلام الوطنية، وانتشر في جميع أنحاء البلاد.

والجماعات  الأميركية التي كانت تناضل بشكل فردي ضد الانسكابات النفطية، والمصانع الملوثة ومكبات النفايات السامة، والمبيدات، والطرق السريعة، وفقدان الحياة البرية، وانقراض الحياة البرية، توحدت في «يوم الأرض» حول هذه القيم المشتركة. حقق يوم الأرض 1970 اصطفافاً سياسياً نادراً، حيث حشد دعم الطيف السياسي الأميركي من «جمهوريين» و«ديمقراطيين»، أغنياء وفقراء، وسكان حضر ومزارعين وقادة أعمال وعمال. بحلول نهاية عام 1970، أدى يوم الأرض الأول إلى إنشاء «وكالة حماية البيئة» الأميركية وإقرار قوانين بيئية أخرى، بما في ذلك قانون «التثقيف البيئي الوطني»، و«قانون السلامة والصحة المهنية»، و«قانون النظافة» و«قانون الهواء».

بعد ذلك بعامين أقر الكونجرس قانون المياه النظيفة. بعد عام من ذلك، أصدر الكونجرس «قانون الأنواع المهددة بالانقراض» والقانون الفيدرالي لمبيدات الحشرات ومبيدات الفطريات والقوارض. لقد حمت هذه القوانين ملايين الرجال والنساء والأطفال من الأمراض والموت، وحمت مئات الأنواع من الانقراض.

 

أعطى يوم الأرض 1990 دفعة كبيرة لجهود إعادة التدوير في جميع أنحاء العالم، وساعد في تمهيد الطريق لقمة الأرض للأمم المتحدة عام 1992 في ريو دي جانيرو. كما دفع الرئيس بيل كلينتون إلى منح السناتور نيلسون وسام الحرية الرئاسي - وهو أعلى تكريم يُمنح للمدنيين في الولايات المتحدة  الأميركية - لدوره كمؤسس لـ «يوم الأرض».