العدالة المناخية وحقوق الإنسان
تتصدر قضايا التغير المناخي الاهتمام العالمي لما تمثله من تهديد للحياة على الكوكب. وأصبحت قضية العدالة المناخية من أهم القضايا التي تطرح عند مناقشة موضوع التغيير المناخي، حيث يهدف الحديث بالمقام الأول إلى حماية حقوق الإنسان التي قد تتأثر من جراء التغيرات المناخية، وتأتي العدالة المناخية كوسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتكاليف بين الدول المتقدمة والصناعية والدول الفقيرة. وتتحمل الدول الكبرى والدول الصناعية مسؤولياتها المتعلقة بحماية المناخ ودعم جهود وقدرات الدول النامية لمواجهة التحديات والمشكلات التي تفرضها عليها التغيرات البيئية والمناخية.
يعد مصطلح العدالة المناخية حديثاً نسبياً، حيث يظهر في الآونة الأخيرة ضمن أولويات العمل المناخي والتنموي، ولكن تحديد المصطلح على نحو واضح لم يتم إلا في الاتفاقيات الدولية منذ عام 1992م، وتحديداً من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وشكّل بروتوكول كيوتو لعام 1997م في اليابان إضافة مهمة في مجال حماية المناخ، ويُعد أول اتفاق ملزم لكل الدول بشأن تخفيض تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للحد من إلحاق الضرر بالنظام المناخي للأرض.
يتضمن البروتوكول مجموعتيْن من الالتزامات، أولاهما التي تتكفل بها جميع دول الأعضاء، والالتزامات التي تقع على عاتق الدول المتقدمة فقط، استناداً إلى المبدأ الذي نصت عليه الاتفاقية، والذي يقضي بتنوع المسؤولية تبعاً لظروف ودرجة تقدم الدولة، ثم جاء عقد مؤتمر مناخ الأرض في باريس عام 2015 لإعلان الاتفاق الدولي بشأن تغير المناخ والذي عُرف باتفاقية باريس للمناخ. وأعلنت الاتفاقية أنها تهدف إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة عند اثني درجة مئوية عن عصر ما قبل التصنيع.
تؤثر التغيرات المناخية سلباً على جميع الدول حتى تلك التي لم تساهم في تفاقم المشكلات البيئية، وبالطبع وليس عدلاً أن يتحمل الأعضاء جميعهم الأعباء بذات القدر.
وتتضح صور اللاعدالة في مسألة التغيير المناخي في عدة أوجه، فليست كل الدول مسؤولة بالقدر ذاته عن تغيير المناخ، فالبلدان الصناعية كان لها السبق التاريخي في التصنيع والمساهمة بالطبع في الإضرار بالغلاف الجوي، وهي تتحمل مسؤولية الاحتباس الحراري. في حين تعتبر الدول النامية الأكثر عرضة لتبعات التغير المناخي، والأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتكنولوجيا للتكيف مع عواقب التغيرات المناخية، كذلك ليست كل الدول معرضة للأخطار البيئية بالقدر ذاته، إذ الدول الفقيرة عرضة للخطر أحياناً أكثر من غيرها، فالدول الزراعية مثل الدول الأفريقية ودول جنوب آسيا وأميركا اللاتينية هي الأكثر عرضة للتداعيات السلبية للتغير المناخي، فالاضطرابات المناخية تؤدي إلى زيادة التصحر وتراجع الإنتاج الزراعي رغم أنها لا تشارك إلا بنسبة أقل من 5%من الانبعاثات الإجمالية، فمنطقياً ينبغي أن تتحمل الدول الصناعية المتقدمة العبء الرئيسي في التصدي لقضية تغبر المناخ طبق ما عرف بمبدأ المسؤولة المشتركة لكن المتباينة.
تبدي دولة الإمارات التزاماً راسخاً بتحقيق العدالة المناخية من خلال استضافتها لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في دورته الثامنة والعشرين، حيث ينتظر أن يتم العمل على وضع استراتيجية فاعلة تسهم في إحداث التغييرات العالمية اللازمة بنهج قائم على حقوق الإنسان في الاستجابة للأزمة المناخية على صعيد وضع التشريعات، وصنع السياسات الهادفة إلى حماية المناخ وتحقيق العدالة المناخية.
*كاتبة إماراتية