مواصلات باريس.. الواقع والمثال
باعتباري والداً من سكان باريس يبلغ من العمر 40 عاماً، فإن رؤيتي لوسائل النقل في المدن تناسب الذين هم في منتصف العمر. ويتطلب الذهاب بابني إلى الحضانة اجتيازَ شارع يبلغ عرضه 40 متراً يعود للقرن التاسع عشر، تسعى للحصول على مساحة فيه كل من السيارات والدراجات النارية والشاحنات الصغيرة والدراجات الإلكترونية والدراجات البخارية والترام الممتد حديثاً. إنها 200 عام من الغضب على الطرق على حافة مدينة في خضم ثورة لا مبالية. لذا لم أحزن كثيراً عند سماع أن باريس ستتخلص من الدراجات البخارية الإلكترونية المستأجرة التي تقطع عشوائياً شوارعَها وأرصفةَ المشاة بعد استفتاء لحظرها مؤخراً. إنها خطيرة وهادئة، وغالباً ما تسقط على الأرصفة أو حتى في نهر السين نفسه.
وكان من الممكن أن يكون التنظيم الأكثر صرامةً أمراً مثالياً، لكن هناك شعوراً بأن الأمر قد قُضي، فلم تُجْد نفعاً محاولةُ كتابة الأحرف والأرقام على لوحات الدراجات البخارية الصغيرة. ومع ذلك، فإن الحظرَ يكشف عن بعض التناقضات الناشئة عن التحول الحضري لباريس في عهد رئيسة البلدية آن هيدالجو. ودعم العاصمة الكامل لمدينة يمكن اجتيازها في 15 دقيقة بالدراجات على غرار أمستردام، والتخلص من محركات الاحتراق، هدفان مرحب بهما للغاية. لكن هناك صعوبة في تحقيق التوازن بين الواقع والتصورات المثالية في واحدة من أكبر مدن أوروبا، كما يقول خبير المدن، لوران تشالارد. والجدل يَصرف الانتباهَ عن المشروعات التي من شأنها أن تخفف من الازدحام وتوسِّع باريس من خلال تمديد الطرق والسكك الحديدية إلى مناطق محيطة أكبر بسبع مرات من المدينة الحالية. وهذه مكاسب كبيرة تعتمد على الاستثمار في النقل العام، وليس التجارب التقنية في المناطق السياحية بوسط المدينة.
وأحد الدروس المستفادة من تجربة الدراجات الإلكترونية الفاشلة في باريس وأماكن أخرى، هو التأكد من أن تجارب التكنولوجيا الحضرية لا تنمو بسرعة كبيرة في المقام الأول. وبالنظر إلى أنه من المتوقع أن تمثل السيارات ذاتية القيادة نحو 12 بالمئة من تسجيلات السيارات بحلول عام 2030، مع وجود مزيد من البيانات في أيدي الشركات الخاصة، يجب أن تكون المدن على أهبة الاستعداد للتصدي لشركات التكنولوجيا غير الشفافة التي تبحث عن مركز مهيمن في سوق النقل، حسبما حذَّر جان لوي ميسيكا، نائب هيدالجو السابق.
وهناك درسٌ آخر هو أن تنظيم وسائل النقل التي ستظل تجوب شوارع باريس، بشكل أفضل، سيجري شحنها إلى مدن أكثر ترحيباً مثل مدريد أو تل آبيب. وقد لا يكون ارتداء الخوذة على الدراجة أمراً جذاباً، لكنها قد تكون منقذةً للحياة إذا أصبحت إلزامية.
وأخيراً، تجب موازنة احتياجات فكرة المدينة التي يمكن قطعها في 15 دقيقة مع احتياجات الـ 15 مليوناً الذين يعيشون فيها.
وبعد أن تراكمت نفايات الباريسيين خلال الإضرابات ضد إصلاح المعاشات التقاعدية، أدرك السكان أن آليات جمع القمامة كانت مختلفة تماماً من حي إلى آخر. وستحتاج المدن المصممة جيداً، والتي تعتمد بشكل أقل على السيارات، إلى مزيد من التعاون السياسي على المستوى المحلي والإقليمي. ومع استعداد باريس لاستضافة الألعاب الأولمبية العام المقبل، ستتجه كل الأنظار إلى قدرة المدينة على تقديم رؤى مثالية دون فقدان لمسة من الواقع على الأرض. ونأمل بحلول ذلك الوقت، أن تُنسى ذكريات حظر الدراجات الإلكترونية وأكوام القمامة. لكن ينبغي التخلص من عادة إرسال الأسئلة المعقدة إلى الاستفتاء.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»