المبادرة الصينية والأزمة الأوكرانية
على الرغم من التوتر الكبير على الجبهة الروسية الأوكرانية، وتصاعد الأزمة بين دول الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى، والضخ الكبير في التسليح من الطرفين، والكم الهائل في المساعدات العسكرية الدولية المقدمة لأوكرانيا، وكذلك التصعيد الروسي بعد الإعلان عن الاتفاق على نشر السلاح النووي التكتيكي الروسي في الأراضي البيلاروسية.. فإنه ما تزال هناك مؤشرات على وجود حراك ملحوظ تجاه إيجاد حل للأزمة.
فالخطة الصينية التي سبق وأن تم الإعلان عنها عادت للواجهة وقد ترى النور، فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وجّه دعوةً إلى الرئيس الصيني لزيارة أوكرانيا، مع حديث عن قرب عقد محادثات مباشرة بين الرئيسين، فيما سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أكد انفتاحَه على تلك المبادرة الصينية، وعلى عملية تفاوض وخطة سلام مع أوكرانيا تنهي الحربَ بشكل كامل.كما سبق وأن أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى أن موقفَ الصين من الحرب على أوكرانيا سيرسم مستقبلَ العلاقات الأوروبية الصينية، وأن مصلحة أوروبا في الحوار مع الصين، حيث ستزور الصين في الأيام المقبلة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وسبق وأن شهدت هذه الفترة حراكاً أوروبيا تجاه الصين، كما زار مسؤول أميركي الصينَ في الأيام الماضية رغم حالة التوتر بين البلدين. وكل تلك المؤشرات تُظهر أن الدور الصيني قد يكون مهماً في الفترة المقبلة لدفع الطرفين الروسي والأوكراني نحو الحوار، وذلك مما يفتح باباً للتفاوض تحتاجه المنطقة بشدة حالياً.
الخطةُ الصينية المقترحة ضمت العديدَ من المبادئ، وعلى رأسها احترام سيادة الدول والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، وألا يكون ضمان أمن أي دولة على حساب دولة أخرى، ووقف الأعمال العدائية، وخفض التصعيد بين أوكرانيا وروسيا تدريجياً حتى الوصول لوقف إطلاق نار شامل، والتأكيد على أن الحوار والمفاوضات هما الحل الوحيد القابل للتطبيق في المنطقة، ودعم كل التدابير التي تؤدي لتخفيف حدة الأزمة، والتأكيد على حماية المدنيين، والحفاظ على سلامة المنشآت النووية، وتسهيل تصدير الحبوب، ووقف العقوبات الأحادية الجانب، والتي تخلق مشاكل دون إيجاد الحلول، والحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد، وأخيراً دعم مرحلة إعادة الإعمار.. وفي المحصلة تبدو الخطةُ كخطوط عريضة لإيجاد حلول للأزمة، لكنها لا تخوض في التفاصيل بل تكتفي بتلك الخطوط العريضة والتعهدات العامة، على أمل أن تتضح في المستقبل الخطوات التي يمكن اتباعها لأجل إنهاء الأزمة بشكل نهائي وفعلي.
ربما تكون الخطة الصينية مفتاحاً لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، أو على أقل تقدير فرصة لتحريك الوضع من الناحية السياسية، ومحاولة لجمع الطرفين على طاولة واحدة. فاستمرار الوضع على ما هو عليه قد يدفع باتجاه حرب تتجاوز البلدين، في ظل الاصطفاف الكبير بين الدول المعارضة للعملية العسكرية الروسية والدول الأخرى الداعمة لها.
فالحرب العالمية الثالثة التي يروج لها أصحاب النظرة السوداوية، الذين يرون أن العالَم اقترب من حالة اصطفاف شبيهة بما كان عليه الحال خلال الحرب الباردة، احتمال مستبعد جداً، لأن الحل التفاوضي أمر لا بد منه وقد يكون قريباً أكثر مما تتوقع تلك النظرة التشاؤمية، خاصة إذا ما وُجدت خطةٌ شاملةٌ للسلام، فليس من مصلحة أي طرف خوضُ حرب إقليمية أو دولية، فوضع الاقتصاد العالمي لا يتحمل حروباً كهذه، بل إن أهم ما يحتاجه العالَمُ حالياً هو الاستقرار بهدف تحريك الوضع الاقتصادي والخروج من عنق الزجاجة.
*كاتب إماراتي