إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات
يُعدُّ تطوير استراتيجيات توليد الطاقة المستدامة، لتلبية زيادة الطلب على الطاقة وتحسين نوعية الحياة والنمو الاقتصادي، مع الحد من البصمة البيئية البشرية، أمراً ملحاً، فتوليد الطاقة من الوقود الأحفوري يطلق كميات كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى اضطراب دورة الكربون في الطبيعة ومشاكل بيئية خطيرة، أهمها الاحتباس الحراري، والأمطار الحمضية، وتحمُّض المحيطات، وارتفاع مستويات سطح البحر. وقد توقّع تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن درجات الحرارة العالمية سترتفع فوق درجتين مئويتين بحلول عام 2050، وربما 4 درجات مئوية بحلول عام 2100، في حال لم تُؤخذ إجراءات لخفض الانبعاثات. ولذلك، فإن الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري يمثّل تحدياً كبيراً. ومع أن قطاع الطاقة ينتقل تدريجياً لتبني الطاقة المتجددة في المستقبل، إلا أننا سنظل نعتمد على الوقود الأحفوري للطاقة والإنتاج على المدى القصير.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ثمة مشاركة فاعلة في مكافحة تغيُّر المناخ، فقد أدرجت الدولة هذه القضية ضمن أهم أهدافها للحفاظ على النمو والاستدامة. ولتسليط الضوء على أهمية الاستدامة، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن عام 2023 هو «عام الاستدامة»، مما يدل على التزام الدولة بتعزيز التعاون العالمي في البحث عن حلول مبتكرة لتحديات الطاقة وتغيُّر المناخ. وقد أطلقت دولة الإمارات مبادرات عدة للتعامل مع تحدي الاستدامة، ومنها «المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050» التي تسعى إلى تحقيق «صافي الانبعاثات الصفري»، وهو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر، مع إعادة امتصاص أي انبعاثات متبقية من الغلاف الجوي، و«الرؤية البيئية 2030» لإمارة أبوظبي التي تهدف إلى التقليل من تأثير تغيُّر المناخ، و«استراتيجية الطاقة 2050» الرامية إلى زيادة مساهمة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الإجمالي للبلاد من 25% إلى 50%، وخفض البصمة الكربونية لعمليات توليد الطاقة بنسبة 70%.
ولتقليل التأثير البيئي لاستخدام الوقود الأحفوري ينبغي اعتماد تقنيات انبعاثات الكربون المحايدة أو السلبية، ما يعني وقف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشرية المنشأ، والتقاط تلك الموجودة حالياً في الغلاف الجوي. ويعتبر التقاط ثاني أكسيد الكربون عن طريق «الامتزاز» نهجاً واعداً، وهو تجمُّع جزيئات مادة ما على سطح مادة أخرى. من المواد المازّة التي خضعت للدراسة الكربونات القلوية الصلبة، والكربون، والأطر العضوية المعدنية، والزيوليت، والمواد المساميّة الصلبة المعدلة بالأمين. ومع ذلك، فإن التقاط ثاني أكسيد الكربون لا يزال غير مطبَّق إلى حد كبير؛ لأنه يتطلَّب طاقة عالية. ولتعزيز كفاءة عملية الالتقاط، يجب أن تتمتع المواد المازّة بانتقائية عالية وقدرة امتصاص سريعة لثاني أكسيد الكربون، وحرارة منخفضة للامتصاص، وقابلية عالية لإعادة التدوير، واستقرار حراري وكيميائي جيد. ويمكن بعد ذلك تخزين ثاني أكسيد الكربون المُلتَقط في خزانات تحت الأرض، أو تحويله إلى مواد مفيدة، مثل المواد الكيميائية والمونومرات والوقود.
ويمكن تحقيق اختزال ثاني أكسيد الكربون حرارياً أو كهربائياً أو ضوئياً أو بيولوجياً. ويعد الاختزال الكهروكيميائي لثاني أكسيد الكربون إلى ميثانول خياراً واعداً لتخزين الطاقة المتجددة الزائدة كيميائياً، وهو أسلوب قليل الأثر وقابل للتطوير لأن الطاقة الكهربائية يمكن توفيرها من الطاقة المتجددة، بينما تحدث العملية بأكملها في الظروف المحيطة. كما يمكن استخدام الميثانول كوقود سائل ومادة كيميائية أساسية لتصنيع سلاسل هيدروكربونية طويلة، مثل البنزين، وكذلك المواد الكيميائية السلعية، بما في ذلك الأوليفينات والفورمالدهيد وحمض الفورميك، التي تشتق تقليدياً من الوقود الأحفوري.
ويتمثل التحدي في استخدام ثاني أكسيد الكربون في هدرجته التي تحتاج إلى طاقة تنشيط عالية لكسر الروابط الكيميائية المستقرة. بالإضافة إلى ذلك، قد يحدث الاختزال الكهروكيميائي لثاني أكسيد الكربون من خلال مسارات اختزال متعددة الإلكترونات، مما يؤدي إلى تكوين منتجات عديدة بما في ذلك أول أكسيد الكربون والفورمات والميثان، وغيرها. لذلك، فإن عملية الاختزال تحتاج إلى محفزات لتحسين حركية التفاعل وانتقائية المنتج. ويعتبر تحسين خصائص المحفزات وتطوير مواد محفزة جديدة طريقاً واعداً لمواجهة هذه التحديات.
في جامعة خليفة، بإمارة أبوظبي، نعمل على تطوير محفزات هجينة قائمة على المعدن والكربون للاختزال الكهروكيميائي لثاني أكسيد الكربون، مع التركيز على فهم تأثير الخصائص التركيبية والكيميائية للمحفزات على أدائها.
2252G