عندما يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن «غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت لعودتها إليهم وإلى محيطها العربي» وكذلك يشدد سموه على «ضرورة بذل جميع الجهود المتاحة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين بعزة وكرامة إلى بلدهم»، فإن ذلك يعد مؤشراً قوياً على الدعم الكامل، السياسي والدبلوماسي والإنساني والاقتصادي، الذي تقدمه دولة الإمارات لدولة سوريا الشقيقة، الذي سيساهم، دون أدنى شك، في إعادة بناء شبكة علاقات سوريا الدولية، خاصة مع جيرانها، ما ينعكس بالخير على الشعب السوري الشقيق.
لا يمكننا أن ننكر أن الشعب السوري، ومنذ اندلاع الأحداث هناك في مارس 2011، قد دفع ثمناً باهظاً نتيجة تجمع الجماعات الإرهابية المسلحة في مناطق في الشمال السوري وارتفع عدد تلك الجماعات وزادت قوتها بالتجاهل الدولي لحجم الأزمة وتدمير البنية التحتية وهروب اللاجئين إلى تركيا ولبنان والأردن وغيرها، وكذلك ما تعرضت له دولة سوريا من تدخل أطراف دولية عديدة على خط الأزمة أدت إلى وجود نزاعات مسلحة أخرى، وأدت أيضا، إلى عزل الشعب والدولة السورية عزلاً تاماً، لدرجة أن هناك دولا قامت بتصنيف الشعب السوري كله بأنه إرهابي، ومنعت دخول حملة الجواز السوري أراضيها، وهي سابقة دولية لا يمكن وصفها إلا بالتمييز العنصري تجاه شعب بأكمله.
ومع أن الدولة السورية بذلت جهوداً كبيرة في منع تنقل الإرهابيين من سورية إلى العراق أو تركيا أو لبنان أو الأردن وغيرها، وأبدت استعدادها للعمل مع المجتمع الدولي في منع وصول الأسلحة إلى الجهات الإرهابية، وعملت جاهدة لمكافحة الإرهاب، بموافقتها وتأييدها لقرار الأمم المتحدة رقم 1701، حيث تم إصدار القرار لمساعدة المنطقة ومنع حروب أخرى محتملة، ومع ذلك فإن الدول الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما زالت تتلكأ في النظر إلى سوريا كدولة وشعب لهم حقوق إنسانية لا تقل عن حقوق الشعوب الأخرى، حتى لحين حدوث موجة الزلازل المدمرة في الشمال السوري الشهر الماضي.
أول ما تحتاجه الدولة السورية اليوم هو عودتها إلى محيطها العربي بشكل كامل، وكذلك عودة اللاجئين إلى بيوتهم ومدارسهم وأعمالهم، بمساهمة المجتمع الدولي جميعا، وبدء حملة لإعمار سوريا تساهم فيها الدول الشقيقة والصديقة والحليفة، وكذلك المجتمع الدولي بأسره، ولن يكون صعباً آنذاك، أن تبدأ عمليات إصلاح العلاقات مع الدول الجارة مثل تركيا، باتفاقية مرضية للطرفين، تحقق لكل من الدولتين مصالحها العليا، وكذلك المصالح المشتركة.
وجهة نظري، أن العلاقة بين سوريا وإسرائيل ستبقى متوترة لحين جلوس الطرفين على طاولة مفاوضات سلام، تقدم فيها سوريا كافة مطالباتها تحت مبدأ «الأرض مقابل السلام»، الذي تم طرحه بين البلدين، خلال وساطة بريطانية في الأعوام 1995-1997، والتي تحدث عنها «دنيس روس»، المبعوث الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط خلال عهدة الرئيس كلينتون وقال «إن نتنياهو مستعد للاجتماع مع الأسد في كل وقت وفي كل مكان»، وبما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينامين نتنياهو، قد بقي وعاد إلى السلطة، ولا أعتقد أنه قد بدّل أفكاره حول أهمية عقد اتفاقية سلام مع سوريا، فأعتقد أن الطريق قد تكون ممهدة حالياً لبعض الاجتماعات المبدئية، بوجود طرف ثالث كدولة الإمارات العربية المتحدة، التي أخذت على عاتقها إعادة الأمن والسلام لمنطقة الشرق الأوسط.
قد يقول قائل إن الوجود الإيراني الحالي في سوريا، وكذلك «حزب الله»، قد يقطع الطريق على أي محادثات أو مفاوضات سلام قد تجري بين السوريين والإسرائيليين، وأظن أن هذه النظرية مسرفة في التشاؤم، ففي نوفمبر الماضي 2022 وافق «حزب الله» على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وكان ذلك مؤشراً قوياً على أهمية المصالح الوطنية لكل دولة، ولا شك أن ذلك الاتفاق قد حظي بموافقة إيرانية ضمنية، وسيكون من السهل على القيادة السورية، في حال رغبت في إجراء مفاوضات سلام، أن تضع مصالحها العليا فوق أي اعتبار، خاصة إذا كانت نتيجة تلك المفاوضات إعادة هضبة الجولان المحتلة، وتخفيف التوترات القائمة والمستمرة، التي يتضمنها قصف إسرائيلي مباغت، بين فينة وأخرى، بحجة ملاحقة مسلحين أو مخازن أسلحة تتبع الجانب الإيراني أو «حزب الله» اللبناني، والذي يثير القلق والرعب أحيانا، ويمنع الدولة السورية من أداء واجباتها الأخرى، مع الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الشمال السوري موطناً لها.
ليس المتفائل فقط من يمكنه أن يرى أن المصالحة السعودية الإيرانية سوف تصب لاحقاً، بشكل أو بآخر، في مصلحة الدولة السورية، حيث سيتراجع «حزب الله» كثيراً، عن محاولاته السابقة، للتشويش على الدور السعودي التاريخي في لبنان، ما يعيد التوازن إلى المشهد السياسي اللبناني والسوري في ذات الوقت، ويفتح أفقاً آخر، للتفاهم العربي لأهمية عودة سوريا إلى الحضن العربي، كما أعلن الرئيس التونسي مؤخراً، إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع سوريا منذ 2012، وستلحق باقي الدول العربية الأخرى، بهذا الركب، من خلال الجهود السياسية والدبلوماسية التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً، وستستمر في بذلها لما فيه مصلحة الشعب السوري الشقيق.
* لواء ركن طيار متقاعد