ألاسكا.. ملاذ للحياة البرية في خطر
في يونيو 1962، تخرجت من المدرسة العليا، واشتريت أول تذكرة طيران وانطلقت إلى ألاسكا. كنت قد أجريت مقابلة عن وظيفة صيفية لرعاية الأسماك والحياة البرية بالولايات المتحدة. وتضمنت وظيفتي رحلات أسبوعية مع طيار في الأدغال يقوم بتوصيل الإمدادات إلى نقاط في جميع أنحاء شبه جزيرة ألاسكا. بالقرب من الحافة الغربية لشبه الجزيرة، قبل أن تتوغل مباشرة في جزر ألوشيان، كانت توجد قرية صيد صغيرة بها مصنع تعليب تدعى كينج كوف. ولم تكن كبيرة بحسب ما أذكر قبل 60 عاما. لكن اليوم، برزت «كينج كوف» كمركز لأشد خطر تواجهه ألاسكا في الحفاظ على البيئة.
واحتدم النزاع لسنوات حول بناء طريق من شأنه أن يعبر ما لا يقل عن 11 ميلا من محمية «إيزيمبيك» الوطنية للحياة البرية، وكلها تقريبا منطقة برية اتحادية تعتبر واحدة من أهم محطات توقف الطيور المهاجرة في العالم. والسماح بالطريق سيهدد ليس فقط أراضي الملاذ الرطبة التي تغري الطيور وتدعمها، لكن أيضاً الأساس القانوني الذي يحمي أكثر من 100 مليون فدان من الأراضي الاتحادية في الولاية.
ومقايضة أرض مع شركة (ألاسكان نيتف فيليج) التي وافقت عليها إدارة ترامب سيؤدي إلى تجريد ممر ضيق من قدرته على أن يكون ملاذ لحماية الحياة البرية ويحوله إلى طريق من الحصى. وخلص قاضي محكمة المقاطعة الاتحادية إلى أن الصفقة كانت غير قانونية، لكن بعد ذلك صوتت هيئة محكمة الاستئناف الاتحادية بأغلبية صوتين مقابل صوت واحد لصالح إلغاء هذا القرار. وكان الرئيس السابق دونالد ترامب هو من عين القاضيين المصوتين للطريق.
ووصف رئيس سابق آخر، جيمي كارتر الذي وقع على قانون تاريخي للحفاظ على أكثر من 100 مليون فدان في ألاسكا، هذا القرار بأنه «ليس خاطئا بشدة» فحسب، بل «خطير» أيضا. وتقدم كارتر بمذكرة قانونية لمحكمة استئناف الدائرة التاسعة. وتعيد لجنة مؤلفة من 11 عضوا من هذه المحكمة النظر الآن في القرار. وغالبية أعضاء اللجنة عينهم ترامب. ويمكن تجنب كل هذا إذا أوقف وزير الداخلية، ديب هالاند، المسؤول عن إدارة وحماية معظم الأراضي والموارد الطبيعية الاتحادية- ببساطة مقايضة الأراضي مع شركة كينج كوف، وألاسكان نيتيف فيليج اللتين تدعمان الطريق. وما يجب فعله هو إلغاء الصفقة على الفور. ولدى الوزارة السلطة. وقالت وزارة العدل، في رسالة إلى كاتب الدائرة التاسعة في عام 2021، إنه «من الممكن» أن يتخذ الوزير هالاند إجراء من شأنه أن يجمد التشريع تماما.
والمشكلة هي أن إدارة بايدن جادلت في المحكمة لدعم سلطة وزير الداخلية في إجراء المقايضة، على الرغم من أنها قالت أن«مزايا هذا التبادل للأراضي يمثل قضية ما زال يتعين معالجتها في التقاضي». وعلى مدى نصف قرن، سعت كينج كوف التي يبلغ عدد سكانها حوالي 800 شخصا إلى بناء طريق يبلغ طوله حوالي 40 ميلا (أكثر من 60 كيلومترا) إلى «كولد باي» التي عدد سكانها 100 نسمة تقريبا. ولا يمكن الوصول إلى كلا المجتمعين إلا عن طريق القوارب أو الطائرات، وهو أمر غير معتاد في ألاسكا. و«كينج كوف» لديها مصنع كبير لتجهيز الأسماك. ويوجد في «كولد باي» مطار يعود إلى الحرب العالمية الثانية به مدرج بطول ميلين يمكنه استيعاب طائرات الشحن ذات النطاق الكافي لشحن السلمون الطازج إلى آسيا وباقي ولايات أميركا.
وبسبب جغرافية «إزيمبيك استموس»، التي يبلغ عرضها ثلاثة أميال تقريباً، فإن أي طريق يجب أن يعبر محمية «إيزيمبيك» الوطنية للحياة البرية، موطناً لأكثر من 200 نوع من الحياة البرية، بما في ذلك الدببة الرمادية، والوعل والذئاب والسلمون وأسد البحر ستيلر. وما يميز الملاذ بشكل خاص، وهو أصغر ملاذ في ألاسكا بمساحة تزيد قليلا عن 30 ألف فدان، هو أنه يمثل محطة مهمة للغاية لملايين الطيور المهاجرة، بما في ذلك كل ما هو موجود في العالم تقريبا من بط الهادئ الأسود وأكثر من نصف تعداد أوز الإمبراطور الذي يتغذى على بعض مروج عشبة الأنقليس الأكثر انتشارا في العالم على الأراضي الرطبة الساحلية في الملاذ. وإنشاء طريق سيعطل حركة هذا العالم.
تم حظر الجهود المبذولة لبناء طريق بين «كينج كوف» و«كولد باي» عدة مرات على مدى العقود الكثيرة الماضية. ففي عام 2009، بعد ضغوط مكثفة من مؤيدي الطريق، وجه الكونجرس وزارة الداخلية لاستكشاف مقايضة أرض محتملة، لكنه اشترط أن تنتهي سلطة إنشاء طرق في الملاذ البيئي في عام 2016.
وبعد دراسة استمرت أربع سنوات، رفضت وزيرة الداخلية السابقة سالي جيويل المقايضة في عام 2013، وخلصت إلى أن هناك خيارات أفضل من التدخل المدمر عبر المحمية. ثم في عام 2019، قام ديفيد برنهارد الذي كان وزيرا للداخلية في عهد الرئيس ترامب، بإجراء عملية تبادل أخرى للأراضي على الطريق، بناء على خطط سابقة داخل الإدارة. وهذه المرة، على الرغم من ذلك، جادل بأن الفوائد الاقتصادية والسلامة العامة للطريق لسكان المجتمعين تفوق التكاليف البيئية.
لكن من الناحية القانونية، لا يهم حجم الفوائد الاقتصادية. لا يملك وزير الداخلية سلطة شق طريق عبر منطقة برية يحميها القانون. وهذا هو ما وصلت إليه الأمور اليوم حين يمحص قضاة الدائرة التاسعة مستقبل محمية إيزمبيك. وحدث صراع في الكونجرس لعقود من الزمن حول التخصيص المناسب للأراضي الاتحادية في ألاسكا. أولا، قدمت أكثر من 100 مليون فدان للولاية لأغراض التنمية الاقتصادية في قانون ولاية ألاسكا لعام 1958. ثم، في عام 1971، قامت بتسوية مطالبات أراضي سكان ألاسكا الأصليين عن طريق نقل نحو 45 مليون فدان من الأراضي إلى الشركات الأصلية التي يملكها المساهمون الأصليون. كما دفعت الحكومة الاتحادية لتلك الشركات نحو مليار دولار في تسوية للأراضي المفقودة. وأخيرا، في عام 1980، منح الكونجرس مستويات مختلفة من الحماية الدائمة لأكثر من 100 مليون فدان بخصائص بيولوجية أو مناظر طبيعية استثنائية. وكان الإجراء التشريعي الذي حقق هذا الهدف الأخير هو قانون ألاسكا الوطني لحماية الأراضي الذي وقعه كارتر.
كان غرضه ذا شقين. الحفاظ على الطبيعة في ألاسكا والسماح للسكان الريفيين والسكان الأصليين الذين يعيشون حياة الكفاف على الأرض بالاستمرار في القيام بذلك. لقد جعل الكونجرس عمدا من الصعب للغاية العبث بالتوازنات التي حققها القانون. ولإنشاء طريق عبر منطقة برية معينة، يطلب وزير الداخلية إنتاج تحليل شامل من وكالات كثيرة وبيان عن تأثيره على البيئة. بعد ذلك يجب أن يوافق الرئيس والكونجرس على المشروع. ولم يتم عمل أي من هذا. وكما قال كارتر في مذكرته، فإن قرار اللجنة المكونة من ثلاثة قضاة «يستند إلى سوء فهم خطير». وقال إن الكونجرس لم يمنح وزير الداخلية السلطة التقديرية التي تذرع بها في الموافقة على مقايضة الأراضي.
المثير للقلق أيضا هو ما تنذر به هذه المعركة القانونية في معارك الأراضي العامة الأخرى، خاصة في الغرب. ونظرا لأن الدائرة التاسعة تغطي تسع ولايات غربية، منها ألاسكا وهاواي، بالإضافة إلى جوام وجزر ماريانا الشمالية، فإنه يُعرض عليها جزءا كبيرا من أهم قضايا الأراضي العامة في البلاد. وإذا سمحت الدائرة التاسعة بطريق إيزيمبيك، فإن هذه السابقة المأساوية ستبتدع من العدم سلطة جديدة مفتوحة لوزراء الداخلية في المستقبل ليقرروا السماح لأي مشروع تجاري على أراضي ألاسكا المحمية ببساطة من خلال القول بأن قيمته الاقتصادية تتجاوز أي خسارة بيئية. ويتعين على إدارة بايدن أن تتحرك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/03/12/opinion/alaska-wilderness-road-jimmy-carter.html