العمل أقل.. لا يعني سعادة أكبر
العمال يشعرون بالإرهاق. لذلك لا عجب أن الناس تحمسوا لدراسة حديثة من المملكة المتحدة تدعي أن الشركات التي خفضت ساعات العمل الأسبوعية 20 بالمئة (أي أسبوع عمل من أربعة أيام) لديها موظفون أكثر سعادة دون خسارة عائدات. وفي غياب أربعة أيام في الأسبوع، يبدو أن مزيداً من الأميركيين يختارون تقليص عملهم باتخاذ قرار بالعمل بدوام جزئي، حتى لو توافر العمل بدوام كامل. ويأتي هذا على رأس اتجاهات تقليص العمل والاسترخاء. فعصر العمل الأقل قد حل علينا فيما يبدو. وحتى قبل الجائحة، كان الأميركيون يقضون ساعات أقل.
وفي الواقع، لم نقض وقتاً طويلاً في العمل. لذا إذا شعرنا بالإرهاق، فالعمل ربما ليس المشكلة. والتطلع إلى تقليص ساعات العمل في قدم العمل نفسه. ففي عام 1928، توقع الخبير الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز أن أحفاده سيحتاجون فقط إلى العمل 15 ساعة أسبوعياً لأن التكنولوجيا ستضطلع بجزء أكبر من أعمالنا. صحيح أننا ما زلنا نعمل أكثر من 15 ساعة في الأسبوع، لكنه لم يكن مخطئاً تماماً. فهناك اتجاه تنازلي في ساعات العمل. وجعلت التكنولوجيا العمالة أكثر إنتاجية بلا شك، وكان أحدث مثال على ذلك هو التكنولوجيا التي اعتمدناها أثناء الجائحة مما يسمح لمزيد من الناس بالعمل من المنزل، مما يوفر الوقت في التنقل والدردشة والاعتناء بالذات. على الرغم من أن «كينز» لم يتخيل قط هاتفاً ذكياً قد يسمح لرئيسك من الوصول إليك في طوال ساعات اليوم.
وقدرت دراسة أجراها الاقتصاديان مارك أغيار وإريك هيرست أنه في عام 1965، كان الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و65 عاماً يعملون مقابل أجر بمعدل 51 ساعة في الأسبوع. وبحلول عام 2003، انخفضت ساعات العمل إلى 39.9 ساعة فقط، واستقرت ساعات العمل جداً منذئذ. وما زال النساء يشكلن جزءاً أصغر من القوة العاملة، لكن كثيرين منهن يعملن خارج المنزل منذ الستينيات، ويتزايد عدد اللائي يعملون بدوام جزئي.
وزاد متوسط أسبوع عمل المرأة من 20 إلى 26.3 ساعة بحلول عام 2003 وظل ثابتاً نسبياً مذاك. وقاست الدراسة نفسها وقت الأعمال المنزلية، ووجدت أن التكنولوجيا مثل جزازات العشب الأفضل وغسالات الصحون أدت إلى انخفاض كبير فيها أيضاً. وبعد أن أضاف الاقتصاديون كل أشكال العمل، قدروا أن ساعات العمل انخفضت 7.6 ساعة للرجال و6.44 ساعة للنساء. والاستفادة من العمل الأقل هو مزيد من وقت الفراغ.
وزادت ساعات فراغ الرجال 20 بالمئة تقريباً بين عامي 1965 و2003. وزادت أوقات الفراغ لدى النساء بأكثر من عشرة بالمئة، لكن بعد ارتفاعها بدأت في الانخفاض مرة أخرى في التسعينيات مع زيادة اهتمام الآباء بالأطفال وأمضت النساء وقتاً أطول في رعاية أطفالهن. وتقضي المرأة العاملة الآن ما يقرب من ضعف ما كانت تقضيه من وقت مع أطفالها في الستينيات. وهناك مفاجأة واحدة وهي أنه في عام 1965، عمل الرجال الأقل تعليماً ساعات أكثر، لكن هذا الاتجاه انحسر وأصبح الآن أصحاب الأجور الأعلى يميلون إلى العمل أكثر.
وبحلول عام 2003، كان الرجال المتعلمون يعملون بزيادة خمس ساعات في الأسبوع عن الرجال غير الحاصلين على شهادة من مدرسة عليا. وما زال هذا صحيحاً. ففي عام 2003، كان الرجال الحاصلون على تعليم من مدرسة عليا أو أقل يعملون ساعات أقل بنسبة 3.6 بالمئة من الرجال الأكثر تعليماً.
وفي عام 2018، تقلصت الفجوة قليلاً إلى 1.6 بالمئة. وربما تقلصت الفجوة بشكل أكبر منذ الجائحة، فمن المرجح أن الرجال المتعلمين هم الذين تركوا العمل بهدوء في مكاتبهم. لنكن صادقين، إذا كنا نلتزم بأسبوع عمل مدته أربعة أيام، فإن أصحاب الأجور الأعلى هم الذين يمكنهم تحمل كلفة عمل أقل. لكن هذا غير واقعي في جميع تفاصيل الاقتصاد. ولا يستطيع كثيرون من العاملين بالساعة الذين يتقاضون رواتب أقل، تقليص ساعات عملهم 20 بالمئة في الأسبوع. وربما لا يستطيع معظم العمال الذين يتقاضون رواتب تقليص هذا النسبة أيضاً.
وأسبوع عمل من أربعة أيام قد يضر بالاقتصاد. وتجعلنا التكنولوجيا أكثر إنتاجية حتى نتمكن من تحقيق إنجاز أكبر في وقت أقل، لكن من غير المحتمل أن تكون مكاسب الإنتاجية هذه كافية لتعويض تقليص العمل 20 بالمئة. وتشير دراسة المملكة المتحدة إلى أن هذا ممكن، لكن الدراسة ضيقة النطاق نسبياً، فنحو 88 بالمئة من الشركات التي تضمنتها الدراسة في التسويق أو الخدمات المهنية أو الإدارة أو الجمعيات الخيرية أو المنظمات غير الربحية. ولا يتناسب هذا مع الاقتصاد الأكبر. وبالنسبة لمعظم الوظائف، يعني العمل القليل إنتاجاً أقل، مما يعني سلعاً وخدمات أقل. وهذا يفاقم تقلص الأيدي العاملة والتضخم، مما يجعل الجميع أكثر فقراً.
وحتى الشركات في دراسة المملكة المتحدة اشتكت من أن أسبوع العمل من أربعة أيام تسبب في ارتباك كبير لأن بقية العالم يعمل خمسة أيام. والشركات التي سمحت للعمال باختيار أيام إجازتهم واجهت مشكلات في التنسيق مع موظفيها.
ولذا فاقتصادنا ليس جاهزاً لتقليص العمل 20 بالمئة. لكن هناك ميل حقيقي لدى الناس الذين يعملون أقل ولا يزالون يشعرون بالإرهاق. والسؤال هو لماذا؟ كيف يشعر مزيد من الناس بالإرهاق إذا كانوا يعملون أقل ولديهم وقت فراغ أطول من الأجيال السابقة؟ وربما لأنه حتى مع انخفاض ساعات العمل، لا نحصل على استراحة حقيقية. ويقضي الآباء وقتاً أطول بكثير في رعاية الأطفال مقارنة بالأجيال السابقة. نحن أيضاً نقضي أوقات فراغنا بشكل مختلف. حتى لو كان لدينا مزيد منه، فقد لا يكون وقت الفراغ مفيداً كما كان من قبل.
نحن نستخدم الوقت للتحديق في الشاشات وألعاب الفيديو التي تغذيها الأدرينالين، ووقتاً أقل في القراءة أو التواصل مع الآخرين شخصياً. وترتبط هذه الاتجاهات بمزيد من القلق والتعاسة لكل من المراهقين والبالغين. فربما الطريقة التي نقضي بها وقت فراغنا هي ما يرهقنا وليس عدد الساعات التي نعمل فيها بالفعل.
وقد يؤدي العمل من المنزل إلى تفاقم هذا الأمر. صحيح أننا نوفر الوقت وقد نكون أكثر إنتاجية، لكننا نقضي أيضاً وقتاً أكبر أمام الشاشات وحدنا. وهو أمر مثير للسخرية من نواح كثيرة. وتوقع كينز أن تحررنا التكنولوجيا من العمل. وقد أصبحنا نعمل أقل ولدينا مزيد من وقت الفراغ، لكنه جعلنا نشعر بمزيد من الإرهاق والتعاسة.
*زميلة بارزة في معهد مانهاتن.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»