شعب وقيادة استثنائية
الاهتمام الكبير الذي توليه قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة بوضع الرؤى كافة والخطط والمهمات والقوانين والمؤسسات والميزانيات وفرق العمل والمختصين، جعل من قطاع الفضاء، بالنسبة للإمارات، واحداً من أهم القطاعات الاستراتيجية الحيوية التي تنظر لها الدولة نظرة جدية حازمة، وليست حالمة، وهذا يدفع بكل تأكيد- كما لاحظنا الأسبوع الماضي- إلى تحقيق مصالح عليا تتعلق بأهداف السياسة الوطنية للفضاء بالدولة التي تحققت بفضل الله وعونه، وحرص القيادة الحكيمة الرشيدة.
في عيون وقلوب شعب الإمارات، لم يكن الفخر فقط في رؤية رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، يذهب في مهمة فضائية هي الأولى والأطول من نوعها عربياً، نحو محطة الفضاء الدولية، بل توحدت وتحركت المشاعر والأفكار، لدى كل مواطن إماراتي، الصغير والكبير، بأن ذلك الحلم الذي رآه الوالد المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع إخوانه حكام الإمارات، يوم تأسيس الاتحاد، قد أصبح حقيقة تتوهج ساطعة، تفرض نفسها، في سجل التاريخ، وبأن دولة الإمارات العربية المتحدة، ليست مجرد دولة تزور الفضاء، بل أصبحت الدولة التي تحتل المرتبة الـ 11 عالمياً في قائمة الدول التي ترسل رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية في مهمات طويلة الأمد.
ما رأيناه في تلك المشاعر والأفكار، خلال جلساتنا وحواراتنا، منذ أسبوعين تقريباً، ولغاية اليوم، يوضح بشكل كبير أن أبناء شعب الإمارات جميعاً، قد ترسخ في قلوبهم وعقولهم، أهمية العلم والعمل الدؤوب، والمثابرة التي لا تراجع عنها، في مجال الفضاء وفي المجالات الأخرى الحيوية، فألهبت رحلة النيادي الحماس في النفوس، ومن قبلها رحلة رائد الفضاء هزاع المنصوري، وكذلك رحلة استكشاف المريخ، لتهيئة الأجيال المختلفة في الإمارات، من سن الثالثة إلى التاسعة، ومن العاشرة إلى الرابعة عشرة، ومن الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة، وما بعد ذلك، ليتجهوا جميعاً إلى الإعداد والاستعداد الكامل، بأن يكونوا جزءاً رئيسياً من فرق العمل التي تساهم في رفعة مكانة الدولة، وفي تقدمها المتسارع، نحو تحقيق أفضل النتائج عالمياً، في المجالات كافة.
هذه حقيقة رأيتها بنفسي، ولم أكن أتصور في الماضي أن يتوحد وينشغل شعب بأكمله في موضوع ما غير موضوع منتخب كرة القدم، وكأن الشعب الإماراتي، قد وضع الأولوية القصوى، للاحتفال بهذه المناسبة بطريقته الخاصة، وعلى رأسها شرح أهمية جهود الدولة للاستثمار في قطاع الفضاء، ومدى أهمية أن تضع دولة الإمارات اقتصاد الفضاء ضمن أهم أولوياتها للخمسين عاماً المقبلة، مع بلوغ إجمالي الاستثمار في المشاريع الفضائية للدولة أكثر من 22 مليار درهم، وانعكاس ذلك على كل فرد من أفراد الشعب، وكذلك على المقيمين على أرض الدولة، وكل من يحبها ويهتم لشأنها.
لا نتحدث بعاطفية، بل علينا جميعاً واجب مقدس، ومن لم يفعل لغاية الآن، فعليه أن يبدأ العمل في الحديث مع أبنائه وبناته وأشقائه وأصدقائه وربعه، بأن الدولة ماضية بكل حزم نحو العلوم الحيوية، في مجالات الفضاء والتكنولوجيا والطاقة المتجددة والعلوم الأخرى كالهندسة الحيوية والطبية والابتكار والتقنيات المادية والرقمية وتطوير الصناعات الوطنية في مجال الروبوتات وتقنيات المركبات ذاتية القيادة وتكنولوجيا «النانو» والذكاء الاصطناعي والطب الجينومي، والسياحة الطبية الجينومية، وغيرها من السياسات والاستراتيجيات والأهداف التي باتت المحرك الأساسي للقوة الدافعة الكبرى لشعب دولة الإمارات العربية المتحدة.
نحتاج أن يكون هذا الحديث، هو الشغل الشاغل لكل مواطن إماراتي، في كل بيت وأسرة ومدرسة وجامعة ومؤسسة ومجالس وغيرها، أننا شعب استثنائي قد حظي بقيادة استثنائية مفعمة بالعطاء، تعرف المستقبل جيداً، تراه بوضوح شديد، وأن كل فرد، سواء أكان صغيراً أم كبيراً، عليه واجبات ومسؤوليات كبرى، للمضي خلف القيادة الحكيمة الرشيدة، للمساهمة العلمية والعملية التي تجعل من كل طفل وشاب وشابة إماراتية هو سلطان النيادي، وهزاع المنصوري، في كل مجال وقطاع مستقبلي، فيهتمون بتعليمهم إلى أقصى درجات الاهتمام، يتنافسون جميعاً على المركز الأول، على التفوق الدائم، يتعلمون حمل مسؤولية هذا الوطن، منذ نعومة أظفارهم، وأن كل واحد منهم عليه واجب لا يمكنه التخلي عنه، ما دام حياً.
تقول الأرقام والإحصائيات ومؤشرات التنافسية العالمية إننا نقترب بسرعة من الريادة العالمية، والمراكز الأولى في معظم القطاعات، وقد حققنا منها الشيء الكثير الذي يضيف مع الفخر والاعتزاز بدولة الإمارات وقيادتها، والحاجة الماسة أن نفهم، أننا جميعاً جزء من ذلك، وأن علينا جميعاً أن نشارك في تلك المسؤولية والواجبات، مشاركة فعالة ملفتة.
فنحن جميعاً نركب في هذه البارجة التي تمخر العباب نحو المستقبل المشرق، فلا يمكن التهاون قيد أنملة، ولتكن محبة الوطن والقيادة الرشيدة والرغبة الجامحة في تحقيق المراكز الأولى، هي المحرك الذي يقودنا نحو القمم الشاهقة.
* لواء ركن طيار متقاعد