الذكاء الاصطناعي التوليدي.. طفرة تقنية كبرى
أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI Models موضوعاً شائعاً بين التقنيين والمستثمرين وصانعي السياسات والمجتمع، نظراً لقدرته على إنتاج أو إنشاء نصوص أو صور أو موسيقى أو محادثات أو رموز أو فيديو تحاكي إنتاج البشر!
وبات واضحاً أن عام 2023 هو عام النماذج التوليدية الكبرى المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المعروفة باسم Generative AI Models.
تتنافس كبرى الشركات العالمية على الابتكار وريادة الاقتصاد الرقمي بإحداث ثورة في التكنولوجيا المتقدمة. ولعل الجدير بالذكر أن الثورات التكنولوجية القادمة ستعتمد على الذكاء الاصطناعي وأحدث الشبكات والاتصالات الرقمية والأمن الرقمي، وستكون الريادة لمن يملك المقومات الأساسية والبنية التكنولوجية لريادة الاقتصاد الرقمي.
لقد شهد العالم في الآونة الأخيرة اهتماماً متزايداً بالذكاء الاصطناعي العام، وخاصة بعد الاستجابة المذهلة التي تلقاها ChatGPT من العالم واهتمام المستخدمين، بحيث شهد طفرة في تسجيل أكثر عن مليون مستخدم خلال 5 أيام، متحدياً تطبيقات أخرى مثل إنستغرام (مليون مستخدم خلال 75 يوماً) وتويتر (مليون مستخدم خلال عامين). حالياً، تجاوز عدد مسخدمي ChatGPT أكثر من مئة مليون مستخدم من شتى دول العالم.
تطبيق ChatGPT من شركة أوبن إيه آي «Open AI» وBard من شركة جوجل، هما أحدث النماذج التوليدية الكبيرة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المعروفة باسم Generative AI Models، وتعتمد هذه النماذج على المعالجات اللغوية الضخمة (Large Language Models) بحيث يتم استخدام البيانات النصية وتدريب الآلة عليها مسبقاً باستخدام خوارزميات ونماذج تعتمد في استخدامها على المحولات Transformers مثل GPT3.5 من شركة «OPEN AI» وLAMBDA من شركة جوجل، وأحدث نموذج لغوي LLAMA من شركة «Meta AI» الذي تم إطلاقه في 24 فبراير 2023.
أهمية هذه النماذج تكمن في قدرتها على توليد محتوى وإنشاء نصوص وتلخيص محتوى وكتابة مقالات أو أكواد برمجية بنفسها، أو إنتاج صور وحل خوارزميات وتقديم حلول واقتراحات في مختلف القطاعات في الصحة والاقتصاد والإعلام وعلوم الحاسب والمعلومات العامة والتعليم.
توجهت الآراء إلى إمكانية استخدامها كمصدر للمعلومات وكبديل لمحركات البحث، ولكن هناك تحديات يجب التغلب عليها في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، مثل الشمولية والتحيز وجودة المعلومات. إن هذه النماذج تم تدريبها على نصوص وبيانات تختلف في محتواها ومصداقيتها وصحتها، ومن المهم جداً أن يتم اعتماد آلية للتغلب على التحيز والحفاظ على الحياد والشفافية وجودة البيانات والشمولية في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
وبخصوص النماذج التوليدية الكبيرة العربية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المعروفة باسم Generative AI Models في العالم العربي والشرق الأوسط، فإنه وبفضل رؤية قيادتنا الرشيدة في دفع حدود المعرفة والابتكار وبناء اقتصاد قائم على المعرفة من خلال تعزيز بناء تكنولوجيا مستدامة، لحل التحديات في مختلف القطاعات والصناعات والحياة المجتمعية، قمنا في دولة الإمارات العربية المتحدة بتطوير نموذج «نور»، وهو نموذج معالج للغة العربية تم إصداره في أبريل 2022، وهو نقطة انطلاق لدخول عالم النماذج اللغوية الكبيرة. يعتمد نموذج «نور» على بنية مشابهة في هيكلها لـ GPT3 حيث تم تطويره وتدريبه، ويمكن استخدامه في كتابة المقالات باللغة العربية وتلخيص النصوص وغيرها.
وتم نشر أول مقال مكتوب باللغة العربية من إنشاء نموذج «نور» أحدث روبوت محادثة يعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية باللغة العربية في شهر نوفمبر من عام 2022 في صحيفة «الاتحاد»، وكان المقال حول الاستدامة وتغير المناخ.
يمكن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية لتطوير حلول رعاية صحية جديدة وأكثر فعالية، مثل الطب وتشخيص الأمراض وعلم الأدوية والعلوم الحيوية، حيث تساعد هذه النماذج على تسريع اكتشاف الأدوية لاستخدامات مختلفة في غضون أشهر، مما يوفر فرصاً كبيرة لتقليل التكاليف والجدول الزمني لاكتشاف الأدوية. كما يمكن استخدامها لتحسين عملية التعليم وتسهيل الوصول إلى المعرفة والعلوم باستخدام مهارات التعليم المعززة بالذكاء الاصطناعي.
نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي ستؤثر على صناعات متعددة مثل الأدوية و ومجالات منها علوم المواد المتقدمة وتصميم الرقائق وأشباه الموصلات والبيانات التركيبية والبرمجة الرقمية، مما يقلل من وقت دورة تطوير المنتج من أسابيع مع الخبراء البشريين إلى ساعات باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.
يمثل ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل ChatGPT وBard وDall-E فرصة لدفع النمو الاقتصادي والابتكار.
ومن خلال اتباع نهج مسؤول وأخلاقي لتطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، يمكننا المساعدة في ضمان تمكين التكنولوجيا المتقدمة في الصناعة والمساهمة في مستقبل أكثر استدامة وفائدة للمجتمعات والأفراد.
من المهم الإشارة إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية تمثل أيضاً مخاطر محتملة، بما في ذلك التزييف العميق وقضايا حقوق النشر والانحياز وقلة المصداقية. لذلك يجب وضع معايير وأسس لتطوير هذه النماذج وحوكمة استخدامها في الصناعات في إطار متفق عليه من قبل الحكومات والمؤسسات لضمان استدامة استخدامها من أجل الخير والبشرية وحياة مجتمعية أفضل.
* خبيرة إماراتية في الذكاء الاصطناعي