الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.. ووعود بايدن
إن التعهدات التي قطعها الرئيس جو بايدن في خطابه الشهر الماضي حول حالة الاتحاد هي في الغالب مستحيلة من الناحية الاقتصادية. ففي ذلك الخطاب تعهد الرئيس بايدن بمنع أي تخفيضات في مزايا الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. كما وعد بأن أي زيادات ضريبية ستقتصر على العائلات التي تكسب أكثر من 400 ألف دولار سنوياً، وهي تمثل 2% تقريباً من العائلات الأميركية الأعلى دخلاً.
ومن شبه المؤكد أن هذه الوعود مجتمعةً مستحيلةٌ اقتصادياً.
على مدى العقود الثلاثة المقبلة، من المقرر أن يدفع نظام الضمان الاجتماعي مزايا تزيد بمقدار 21 تريليون دولار على ما سيجمعه صندوقه الائتماني من ضرائب الرواتب والإيرادات ذات الصلة. ومن المتوقع أن يتسبب نظام الرعاية الصحية الأميركي «ميديكير» في عجز قدره 48 تريليون دولار. ومن المتوقع أن ينتج عن هذا العجز 47 تريليون دولار كمدفوعات عن الفوائد على الديون الوطنية. أي أنه سيكون هناك عجز إجمالي قدره 116 تريليون دولار، وفقاً لبيانات مكتب الميزانية في الكونجرس.
وهذه الأرقام ناتجة عن التركيبة السكانية، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، والطريقة التي تم بها تصميم البرنامج. فنسبة العمال الذين يدعمون كل متقاعد، والتي كانت حوالي 5 : 1 في عام 1960، ستنخفض إلى ما يزيد قليلاً على 2 : 1 بحلول العقد المقبل. والأشخاص الذين يعيشون حتى سن 90 يزداد عددهم بسرعة، وسيقضون ثلث حياتهم في جمع مزايا الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وعلى سبيل المثال، سيحصل الزوجان المتقاعدان اليوم على مزايا نظام الرعاية الطبية بنسبة أكبر بثلاث مرات من مساهماتهما مدى الحياة في النظام، وسيستفيدان أيضاً من الضمان الاجتماعي، وفقاً للمعهد الحضري ومعهد بروكينجز.
إن تلميح الرئيس إلى أنه يمكن دفع الإعانات الكاملة دون رفع الضرائب لـ98 بالمئة من العائلات تلميح لا أساس له في الواقع من الناحية الحسابية. تخيل أن الكونجرس سمحَ بانتهاء صلاحية تخفيضات ترامب الضريبية، وفرض ضرائبَ الضمان الاجتماعي على جميع الأجور، وضاعفَ الشريحتين الضريبيتين الرئيسيتين إلى 70 و74%، ورفع ضرائبَ الاستثمار، وفرض ضريبةَ الثروة بنسبة 8% على الأصول، كما اقترحها السناتور بيرني ساندرز (وهي تزيد على 10 مليارات دولار)، وضريبة عقارية بنسبة 77% على العقارات التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، ورفع معدل ضريبة الشركات مرة أخرى إلى 35%. نتيجة لذلك كله، ستقترب معدلات الضرائب الهامشية على الدخل الفيدرالي والولاية والرواتب مجتمعةً من 100% لدافعي الضرائب الأثرياء، وستواجه أميركا أعلى معدلات ضرائب على الثروات والعقارات والشركات في العالم المتقدم.
ومع ذلك، فإن إجمالي الإيرادات الضريبية الجديدة، وهي تمثل نسبة 4% المائة من الناتج المحلي الإجمالي، سيظل أقل من أوجه العجز في الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية التي ستنمو إلى 6% من إجمالي الناتج المحلي على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ولن يؤدي حتى خفض ميزانية الدفاع إلى النصف إلى سد الفجوة المتبقية.
وبشكل أكثر واقعيةً، إذا لم يتم إصلاح هذه البرامج، فسيتعين على الطبقة الوسطى أن تتحمل العبءَ، تماماً كما يحدث في جميع أنحاء أوروبا. والعبء هائل: إن سد النقص في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية المذكورين أعلاه من خلال فرض الضرائب سيعني بشكل معقول زيادة ضريبة الرواتب بنسبة 9% وفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 20%. ومعلوم أنه لم يتم رفع الضرائب بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية، عندما استهلكت عائدات الضرائب حصةً أقل بكثير من اقتصادنا، وكان هناك العديد من مصادر الإيرادات غير المستغلة.
إذا كانت هذه الزيادات الضريبية مؤلمة للغاية، يمكن للكونجرس سد ما يصل إلى ثلثي أوجه القصور في الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية عن طريق زيادة أعمار الأهلية للبرنامج وتقليص نمو الفوائد للمتقاعدين من غير الفقراء، وفقاً لبحثي في معهد مانهاتن.
ربما يفترض الرئيس أن بإمكان الحكومة الفيدرالية اقتراض 116 تريليون دولار على مدى ثلاثة عقود، بالإضافة إلى الدين الفيدرالي الحالي البالغ 25 تريليون دولار الذي يحتفظ به الجمهور. لكن مَن سيقرض الحكومةَ هذا القدرَ من المال؟ تعمل الصين واليابان بالفعل على تقليص ما يقرب من 2 تريليون دولار من حيازات الديون الأميركية. ويبدو أنه من غير المحتمل أن تتقدم دول أخرى لتحمل المزيد. يحاول بنك الاحتياطي الفيدرالي تخفيض ممتلكاته من الخزانة التي تزيد على 5 تريليونات دولار والتي ارتفعت بشكل مؤقت خلال الوباء، ولا يمكنه تسييل 100 تريليون دولار من الديون دون حدوث تضخم مفرط. وهذا يترك البنوك والشركات والمستثمرين في أميركا، الذين يكاد يكون من المؤكد أنهم يفتقرون إلى القدرة والاستعداد لإقراض 100 تريليون دولار لحكومة لا تستطيع السيطرة على مواردها المالية.
في مرحلة ما، من المرجح أن تتم الاستفادة من سوق السندات، مما يجبر الكونجرس على مواجهة العجز المتصاعد أخيراً. ويكمن الخطر في أن انتظار أزمة الديون سيجعل الإصلاحات أكثر حتميةً وجذريةً وإيلاماً. عند هذه النقطة سيكون المتقاعدون من جيل طفرة المواليد أكبر من أن تستوعبهم تغييرات الفوائد، وسيؤدي الدَّين الوطني المتضخم إلى تكاليف فائدة هائلة، وسيكون من الصعب على الصعيد السياسي تقليص سنوات من التوسيع التلقائي للمزايا.
إن السيناريو البديل، وهو سيناريو واقعي ومسؤول، سيضع «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» معاً، وسيفرض وضعَ كل شيء على الطاولة، الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والضرائب والدفاع.. إلخ، للتوصل إلى حل متوازن يتقدم تدريجياً في الإصلاحات ويعفي كبار السن من ذوي الدخل المنخفض، في ما يبقى لدينا الوقتُ لهذا الحل اللطيف.
إن استدامةَ الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ليست مجرد تحدٍ مستقبلي. فعجز البرامج السنوية، والمتوقع أن يرتفع من 426 مليار دولار إلى 2 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، هو المحرك الرئيسي لعجز الميزانية المتوقع أن يتخطى 2 تريليون دولار في عقد من الزمان.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»