البرازيل..ضربة للديمقراطية قد تقويها
أصاب الدمار نوافذ وقاعات الكونجرس بعد أن اقتحم مئات المواطنين الغاضبين عاصمة البلاد لمحاربة ما يقولون إنها انتخابات رئاسية مسروقة. وهذا خلاصة تمرد السادس من يناير في الولايات المتحدة. وبعد عامين تقريباً، شهدت البرازيل حدثًا شديد الشبه يوم الثامن من يناير هذا العام، مما أثار الشكوك حول استقرار ديمقراطيتها ووضع عقبات أما الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بعد أسبوع واحد فقط من ولايته الجديدة.
فعلى مدار أشهر، حذر المحللون السياسيون من أن البرازيل قد تواجه شيئاً مشابهاً لما حدث في السادس من يناير. فقد قضى الزعيم البرازيلي السابق جايير بولسونارو سنوات، تماماً مثل الرئيس السابق دونالد ترامب، في إثارة شكوك حول نظام التصويت الإلكتروني في البرازيل. ولم يعترف بولسونارو صراحةً بخسارته في جولة الإعادة الرئاسية في أكتوبر 2022. وبعد خسارته، تم إغلاق الطرق السريعة، ولأسابيع كانت المباني العسكرية في جميع أنحاء البلاد محاطة بمجموعات صغيرة من المحتجين المؤيدين لبولسونارو الذين أصروا على أن الانتخابات غير مشروعة. وتتعرض البرازيل الآن لصدمة عنيفة بسبب الشقاق الشديد السكان. ويُنظر إلى هجوم الثامن من يناير على أنه أخطر تهديد للمؤسسات البرازيلية منذ عودتها إلى الديمقراطية في الثمانينيات.
لكن على عكس الولايات المتحدة قبل عامين، كان الرئيس البرازيلي الجديد قد أدى بالفعل اليمين الدستورية. ورد الفعل السريع للحكومة الاتحادية، من إدانة الهجمات إلى تعليق حاكم برازيليا الموالي لبولسونارو لمدة 90 يوماً أثناء إجراء تحقيق في الإخفاقات الأمنية في العاصمة، يبعث برسالة واضحة مفادها أن الرئيس لولا لن يسمح بتدمير الديمقراطية والهجوم عليها. ومن بعض النواحي، تُظهر النتائج أن الديمقراطية البرازيلية نفسها قد تكون أكثر متانة مما كان يعتقد سابقًا. وأكد توماس تريبات، مدير مركز ريو دي جانيرو العالمي في جامعة كولومبيا «لقد أثبتت الديمقراطية البرازيلية أنها أقوى مما يعتقده الناس». وأشار إلى التقاليد الراسخة لحرية الصحافة واستقلال الكونجرس والمحكمة العليا، وحيوية المجتمع المدني. وأضاف «يمكنك أن ترى ما تعرض له المشاغبين من نبذ وقوة تلك المؤسسات. لكنها ليست بمنأى عن الخطر، وأعتقد أنه يتعين على الحكومة توخي اليقظة الشديدة»، منبهاً إلى تاريخ البرازيل في الديكتاتوريات العسكرية.
ووصل الرئيس لولا لتقييم الأضرار في برازيليا يوم الأحد ليلاً. وقال في مؤتمر صحفي «هؤلاء المخربون الذين يمكن أن نسميهم... فاشيين متعصبين، فعلوا ما لم يحدث في تاريخ هذا البلد. سنجدهم ونعاقبهم على ما فعلوا». واعتقل عشرات المئات. ولولا يحظى بسجل حافل كسياسي وزعيم وهذه هي فترته الثالثة بعد فاصل كرئيس للبرازيل. لكن سمعته تلطخت بسبب فضائح فساد لطخت سمعة الإدارات السابقة، وبعد أعمال الشغب يوم الأحد، يستشرف بعضهم معركة أشد صعوبة في الحكم.
وتشكل الاحتجاجات «تهديداً خبيثاً» للديمقراطية البرازيلية، كما يقول «روبرت موجاه»، المؤسس المشارك لمعهد إيجارابي، وهو مؤسسة فكرية برازيلية تركز على الأمن والتنمية. وأضاف «موجاه» أن بعض قطاعات من المجتمع يعارضون الهوامش المتطرفة لكن هذا قد يعمق الاستقطاب في هذا البلد المنقسم بالفعل. ومضى موجاه يقول «أوجه التشابه بين الاحتجاجات العنيفة هذا الأسبوع في البرازيل والتمرد الأميركي قبل عامين لم تأت عفواً. فلم يكن استهداف المؤتمر الوطني والمحكمة العليا والقصر الرئاسي عفوياً... لقد انتشرت الإشاعات التأمرية والمطالبات بانقلاب عسكري على قنوات التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة منذ شهور».
لكن الهجوم قد يصب في نهاية المطاف في مصلحة ترسيخ سلطة الرئيس لولا لدى الجماهير، كما يقول أندريه باجلياريني، أستاذ التاريخ المساعد وخبير البرازيل في كلية هامبدن سيدني في فيرجينيا. وأضاف باجلياريني «أرى أن هذه لحظة تآزر معنوي لهذه الحكومة. فمن الواضح أنه فاز بالانتخابات. ومن الواضح أنه القائد الشرعي. ومن حقه الدفاع عن النظام الديمقراطي. وهذا يعطي الحكومة أرضية صلبة تقف عليها في الحكم في الأيام والأسابيع والأشهر القليلة المقبلة».
وبعد أسبوع واحد من تنصيب لولا، بدأ المحتجون بالتجمع صباح الأحد (8 يناير) أمام الكونجرس وأمام الوزارات الحكومية ومعالم برازيليا. وبحلول الساعة 3:30 مساءً تقريبًا بالتوقيت المحلي، ظهرت تقارير أولية عن الاقتحام على مواقع إخبارية برازيلية، لكن استغرقت قوات الأمن نحو ثلاث ساعات لاستعادة مبان ثلاثة اقتحموها كان من بينها المحكمة العليا والقصر الرئاسي. وخرب المحتجون القاعة التي يناقش فيه القضاة القضايا والقرارات، ودمروا أعمالا فنية لا تقدر بثمن.
وصرح أحد المحتجين، وهو مهندس شاب من ليما، لوكالة الأنباء الفرنسية «يتعين علينا إعادة النظام بعد هذه الانتخابات المزورة». وأدان زعماء دوليون الهجمات، بما في ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذين أصدروا بياناً مشتركاً قالوا فيه إنهم «يقفون إلى جانب البرازيل في حماية مؤسساتها الديمقراطية». وعلى الرغم من احتواء الفوضى إلى حد كبير في العاصمة، ظهرت معسكرات الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد منذ الانتخابات وضمت برازيليين مقتنعين بسرقة الانتخابات الرئاسية. وغادر بولسونارو الذي خسر بنقطتين مئويتين فقط في 30 أكتوبر من العام الماضي البرازيل في أواخر ديسمبر قبل أيام فحسب من انتقال السلطة الرئاسية. ويُعتقد أنه موجود في فلوريدا وندد بهجمات الأمس على تويتر نافيا أي مسؤولية.
وبالنسبة لكثيرين من البرازيليين، يعتبر هجوم الأحد جرس إنذار ينبه إلى ضرورة إتباع وسائل حكم أكثر فاعلية في المستقبل. ويقول لوكاس روشا، مدرس فنون القتال الذي صوت لصالح لولا، «لكي ترى البرازيل أياماً أفضل، يجب أن يتحد الجميع. ويتعين علينا جميعًا الوقوف خلف لولا... حتى تتحسن الأمور للبرازيليين. لكن الأمر سيكون صعبًا حقًا. اليسار واليمين في حرب شاملة. لا يمكنهم التحدث مع بعضهم بعضاً». وأدرك لولا الانقسامات العميقة التي ورثها كرئيس، وتعهد في خطاب توليه المنصب بأن يكون رئيساً لكل البرازيليين. وقال لولا «لا يوجد دولتان برازيليتان. نحن دولة واحدة، شعب واحد، أمة عظيمة».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»