قصة المنطاد وعالم التجسس
قال الجيش الأميركي إن الولايات المتحدة انتشلت أجزاء كبيرةً من أجهزة الاستشعار والإلكترونيات التي كانت موجودة على متن المنطاد الصيني قبالة سواحل كارولاينا الجنوبية. وفيما تعتقد واشنطن أنه منطاد تجسس دخل أراضيها، تقول بكين من جهتها إنه منطاد مدني يُستخدم لأغراض البحث وخصوصاً للأرصاد الجوية.
وأُسقط المنطاد في الرابع من فبراير الجاري بواسطة طائرة مقاتلة «أف 22» قبالة شواطئ ساوث كارولاينا، وتم على الفور نشر فِرقٍ لانتشال حطامه من البحر.
ومنذ ذلك الحين، أسقطت طائرات مقاتلة أميركية ثلاثة أجسام طائرة، أحدها فوق ألاسكا والآخر فوق يوكون في شمال غرب كندا والثالث فوق بحيرة هورون الواقعة في شمال الولايات المتحدة الأميركية.
ماذا يحدث إذن؟ وهل هي أفعال من عالَم التجسس؟ التجسس ممارسة قديمة قدم الدبلوماسية الكلاسيكية، لكن في عصرنا هذا تستعمل شبكات التجسس أدوات وتقنيات حديثة يصعب احتواؤها أو التنبؤ بها، كما يصعب رصدها في أحيان كثيرة، خاصة أن بعضها يقع في مَواطن لا تخطر على بال أحد.
قبل سنوات من الآن، بادر القضاء الأميركي بمحاكمة خمسة جنود صينيين بتهمة القرصنة الإلكترونية والتجسس الاقتصادي. والجنود، كما جاء في بعض التقارير الأميركية، هم أعضاء في وحدة مزعومة تحمل الاسم «الوحدة 61398 للجهاز الثالث لجيش التحرير الوطني». وهؤلاء الجنود الخمسة اتهمتهم الولايات المتحدة بأنهم قاموا خلال الفترة بين عامي 2006 و2014 بالاستيلاء على أسرار تجارية لشركات أميركية عملاقة تعمل في مجال الطاقة النووية والطاقة المتجددة وغيرها.
وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة بمثابة الضحية في هذه الحالة، إذ لها هي أيضاً من القوة التقنية والقدرات التجسسية والهيمنة الإلكترونية ما يمكّنها من التجسس على العالم في صمت، مستعملةً أماكنَ وأدواتٍ وأساليبَ يصعب التنبؤ بها، وقد كشف عن بعضها عميل المخابرات الأميركي الهارب أدوارد سنودن، إذ تنصتت أميركا شهرياً على سبعين مليون مكالمة في فرنسا وستين مليون مكالمة في إسبانيا.. مستعملةً السفارة البريطانية في ألمانيا، مع العلم بأن لها سفارة هناك.
والمعروف عند خبراء التجسس والاستراتيجية أن عمل الاستراتيجي يكون عملا ناجحاً إذا فهم طبيعة البيئة الاستراتيجية، وبنى استراتيجيةً تتسق مع هذه البيئة، بحيث لا يغفل طبيعتها، ولا يستسلم للأطراف الأخرى أو للمصادفة. وقد وُصفت طبيعة البيئة الاستراتيجية مرات عدة، من قبل جهات مختلفة. ويُشار إلى هذه البيئة في منشورات وثقافة كلية الحرب الأميركية باختصارٍ مكوَّن من أربعة أحرف هي VUCA، أي التقلب والتوجس والتعقيد، والغموض. وهذا يتضمن الوصف التالي: «نظام عالمي حافل بتهديدات كثيرة ومثيرة للشكوك، والصراع متأصل فيه وغير قابل للتنبؤ. وفي هذا العالم تكون قدراتنا للدفاع عن مصالحنا الوطنية وتعزيزها مقيدةً بقيود مرتبطة بحجم الموارد المادية والبشرية». ودور الاستراتيجي هنا هو ممارسة النفوذ للسيطرة على التقلب، وإدارة الهواجس، وتبسيط التعقيدات، وكشف الغموض.
*أكاديمي مغربي