الحرب وحكاية أوروبا
لعل أكثر من أوجز وأسهب وأجزل في وصف حكاية أوروبا وصعودها التاريخي هو الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور جورج قرم في كتابه «تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب» جورج قرم تتبع بناء الأسطورة بعد سنوات الظلام ومحاكم التفتيش التي أتلفت آلاف الكتب والمراجع العلمية كراهية في عرب الأندلس الذين هرب الكثير منهم نحو أوروبا محملا بالكتب المعربة محاولاً إنقاذ المعرفة من جهل الانتقام ودموية السلوك، الذي مارسه الأسبان إبان سقوط الأندلس.
ولعل البناء بدأ في توقيت تهريب الكتب لعقول مظلمة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا ليضاء الغرب كله بجذوة العقل الذي سكن بيت المورسكيين الفارين بالمعرفة والفكر والثقافة.
والحقيقة أن البناء كان مدعوماً بالعلم نعم، لكنه في باطنه كانت هناك النظرة الأبعد عمقاً الخاصة بالسيطرة والتحكم في الشعوب المغلوبة على أمرها حتى يتم لأوروبا ما تريد وتسود العالم وتحكمه بأضواء العلم ولمعان السيوف والبنادق بعدها، كان الذكاء الأوروبي هو كيف استطاع مفكروها غرس أشجار الزهو والوصول للأهداف على طول شواطئ أوروبا المشتتة آنذاك.
واليوم يبدو أنها بعد أن وصلت لأعلى مكان في الأسطورية والتفوق الذي تدعيه عرقياً وعلمياً، وجدت نفسها في مأزق جراء الحرب الروسية- الأوكرانية، وإن المصالح الأوروبية لا تزال مرتبطة بمآلات الصراع والسباق الأميركي الروسي على النفوذ دخل القارة الأوروبية. بعض الأصوات الأوروبية تعارض التدخل الأميركي في الشأن الأوروبي، انطلاقاً من أنه على الأوروبيين أن يكون لديهم قرار المستقل في الحرب أو اللا حرب.
فالأيام دول، طوال قرون عديدة سطع نجم الأسطورة الغربية الآن يبدو أن وقت الأفول قد حان، فالحرب الروسية- الأوكرانية إن طال بها الأمر ستكون بابا لخسارة الغرب وتعرضه لصعوبات اقتصادية ومشكلات اجتماعية كبيرة. وحين تطالب الشعوب الأوروبية اليوم بحرية القرار المنفصل عن الإملاءات القادمة من البيت الأبيض، فإنها تعكس أزمة فعلية يصعب فيها تصنيف العلاقات الأوروبية- الأميركية.
ولأن الحرب ما زالت في أوجها، فإن باب الأسئلة مشرع، خاصة أن الوعي الشعبي الأوروبي يحاول التحرر من محاولات تسويق أولويات لا تخص الشعوب الأوروبية، بل تهدف لتحقيق أهداف نخب سياسية أخرى. فروسيا ليست هي السبب.. إنما هي أسطورة الغرب التي يبدو أنها بدأت تتأكل وربما تبحث عن واقع جديد.
* كاتبة إماراتية