الذكاء الاصطناعي في الحرب الأوكرانية
يعدّ استخدام الذكاء الاصطناعي مزيجاً من التقنيات التي تجمع بين جمع البيانات والخوارزميات وقوة الحوسبة، وفي هذه الحرب تبين أن علماء البيانات والخوارزميات والبرمجة والتشفير وفك التشفير والتشويش، وغيرها من التخصصات المتعلقة بالحرب الذكية هم جنرالات الحرب الأكثر تأثيراً.
وعلماء البيانات سيعيدون النظر في تأهيل جنود وضباط المستقبل الذين سيحاربون بعقولهم وتقنياتهم المتقدمة للغاية أكثر من أسلحتهم، ويرتادون ساحات منصات التكنولوجيا ذات الوظائف المختلفة بدلاً من ساحات القتال التقليدية، والتقنيات التي تستخدم في الوقت الحاضر في النزاع المسلّح بين روسيا وحلف «الناتو» هي مجرد البداية لحروب المستقبل. فمن الطائرات بدون طيار إلى الذخيرة الصامتة من طراز ST-35 إلى صواريخ هنتر RSVK -M2، إلى المركبات الأرضية والمنصات الروبوتية والأقزام الآلية وسكوربيون -3، ونظام صواريخ مضادة للطائرات من طراز Stugna-P إلى أنظمة جمع المعلومات ونظام الإنذار المبكر، وأنظمة معالجة المنظومات إلى أنظمة الاتصالات العسكرية التي تحدد الهدف بشكل مستقل، وتحدد مسار الرحلة والأشخاص وتحدد موقع العدو الأكثر ضعفاً، وتشخيص حالة العسكريين ومواجهة التهديدات السيبرانية وتحليل قدرات الوحدات الصديقة والعدوة، وأتمتة المعدات حيث مكنّت السرعة العالية في معالجة مجموعات البيانات الضخمة إلى تقليل وقت اتخاذ القرار في تخطيط العمليات وتنفيذها، فضلاً عن زيادة كفاءة إدارة القوات والأسلحة لدى الجانبين.
وقد ساهمت هذه الحرب في تعزيز ابتكارات تقنية الحرب الحديثة كإستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد من قبل الجنود على الأرض لصنع الصواريخ من خراطيش قاذفات القنابل، وتحوّل معظم موظفي شركات التقنية الأوكرانية لأعضاء في جيش تكنولوجيا المعلومات الأوكراني، وقاموا بتنفيذ هجمات DDoS وأنواع أخرى من الهجمات الإلكترونية على المواقع الإلكترونية الروسية، وتطوير تقنيات ذاتية الحركة للكشف عن الألغام، ورسم خرائط للمنطقة محل الاهتمام والتي تتحول إلى أجهزة استشعار متعددة مثل رادار اختراق الأرض، والكاميرات الحرارية والضوئية والكاميرات متعددة الأطياف، والقيام بمهام متعددة على مدار اليوم وقياس أشياء مثل الانحرافات في درجة حرارة الأرض، وهي أمور مذهلة لكل الأطراف وتقنيات وحلول ظهرت لتبقى بعد انتهاء الحرب.
ويبدو لي أن بعد نهاية الحرب الحالية ستقفز أوكرانيا قفزة نوعية من ناحية تسخير التكنولوجيا المتقدمة لتكون جزءاً من الحياة اليومية للمواطن الأوكراني، مثل مشاريع للعملات المشفّرة «blockchain»، والتي من الممكن أن تثبت أيضاً فائدتها للبلد على المدى الطويل حيث يتم استخدام بعضها الآن لجمع وتوزيع المساعدات على المحتاجين، ومبادرات مثل «Aid for Ukraine»«وهو صندوق مساعدات مشفّر، وكذلك تطبيق بطاقة اللاجئين«Binnacle» ومركبات ذاتية القيادة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، إلى استخدام الروبوتات كرجال أمن وحفظ سلام وإنقاذ وطوارئ، وهو ما يوضح وجود مسرح اشتباك أكثر توازناً على الأرض.
ومن الأمثلة المثيرة والتي تشير إلى عمق وتعقيد المشهد في الحرب الذكية بين الطرفين هو مشروع «Zvook» وهي كلمة أوكرانية تعني الصوت، حيث يجمع بين مكونات البرامج والأجهزة لتحديد صواريخ كروز، والمروحيات والطائرات بدون طيار، والمقاتلات النفاثة على ارتفاعات منخفضة إلى متوسطة بإستخدام مستشعرات الصوت والذكاء الاصطناعي، ويوجد حالياً 40 حالة من النظام منتشرة في جميع أنحاء أوكرانيا.
وفي حين أن التفاصيل التشغيلية نادرة فإن هذا المشروع يساعد الجيش الأوكراني على تحديد مواقع الصواريخ الروسية التي تستهدف البنية التحتية المدنية والتعامل معها، وهي أمثلة محدودة للغاية في حرب خوارزمية مفتوحة، وما حدث في مناطق خيرسون وإيزيوم وخاركيف وكييف من قبل الجانب الأوكراني وقد كان الفضل الأول فيه للنظم التقنية الثورية كتسخيرالأقمار الصناعية التجارية، حيث تعمل الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الغربية عن كثب مع الأوكرانيين على الأرض لتسهيل تبادل المعلومات وتجربة تقنياتهم المتقدمة، ولذلك فهي حرب تقنيات التكنولوجيا العسكرية المتقدمة بين أمريكا وحلفها ضد روسيا وليست حرب بين أوكرانيا وروسيا.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات