هندسة المناخ والارتجال «العلمي»
لا يوجد أي قانون أو معاهدة يمنع شركةً خاصةً من العبث بهندسة المناخ، بما في ذلك إطلاق ثاني أوكسيد الكبريت في طبقة الستراتوسفير من أجل تعديل المناخ. وعليه، فلن تكون هناك أي غرامات أو عمليات توقيف عقب الخبر الأخير الذي يفيد بأن شركةً ناشئةً قامت في صمت بهذه العملية العام الماضي من خلال إطلاقها بالونَيْن فوق المكسيك.
والحال أن هذا النوع من التلاعب بالبيئة يمكن أن يغيّر التوازنَ البيئيَّ بين الشمس وكوكب الأرض. ففي الغلاف الجوي العلوي، يشكّل ثاني أوكسيد الكبريت جزيئات معلقة من حامض الكبريتك تؤدي إلى تشتيت ضوء الشمس وتبريد حرارة الكوكب.
«قانون الهواء النظيف» لا يستهدف التعاطي مع هذا النوع من الممارسات، وإنما يركز على محطات الطاقة والسيارات ومعايير جودة الهواء المحلية، كما يقول أستاذ القانون البيئي بـ«جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس»، إدوارد بارسون. الشركة الناشئة المسؤولة عن إطلاق ثاني أوكسيد الكبريت في الجو تدعى «ميك سانسيتس»، وهدفها -وفقاً لمجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو»- هو استخدام هذا المخطط لمواجهة الاحتباس الحراري. إذ من المرتقب أن تجني مالاً عبر بيعها ائتمانات الكربون؛ ذلك أن الشركات التي تنتج غازات الاحتباس الحراري يمكن أن تدفع لها المال مقابل إطلاقها جزيئات التبريد التي من المفترض أن تلغي انبعاثاتها. ووفقاً للمخطط، فإن كل غرام من الكبريت سيكلف 10 دولارات ويعوض طناً واحداً من ثاني أوكسيد الكربون.
المشكلة الرئيسية هي أن الأمر لن ينجح. ذلك أن جزيئات حامض الكبريتك لا تستطيع حجب الاحتباس الحراري لمدة عام أو نحو ذلك، وبعد ذلك تستقر خارج الغلاف الجوي، في حين يبقى الكربون هناك لآلاف السنين. ثم إن ثمة على الأرجح تأثيراتٌ ثانويةٌ لهذه العملية على نطاق محسوس. وهو ما يصفه بارسون بأنه مثال لـ«شخص مارق يسمِّي نفسه عالماً ويدّعي مساعدةَ البيئة». لوك آيزمان، المدير التنفيذي لـ«ميك سانسيتس»، قال لي إنه أصبح مهووساً بفكرة هندسة المناخ بعد أن قرأ روايةَ الخيال العلمي «صدمة النهاية»، للكاتب نيل ستيفنسن، والتي تحكي قصة ملياردير من تكساس يطلق الكبريت في الغلاف الجوي.
ويقول إنه يتفهم انتقادات العلماء من أن تأثيرات الكبريت لا تلغي الانبعاثات، لكنه يعتقد أنها الطريقة الوحيدة الممكنة لكسب الوقت اللازم من أجل البقاء تحت «مستوى كارثي من تغير المناخ». ويقول إنه يعتزم القيام بعمليتي إطلاق أُخريين هذا الشهر، ومن المكسيك أيضاً، وإن رؤيتَه تقضي بقضاء عشرين عاماً المقبلة في إطلاق «أكبر قدر ممكن من هذه البالونات والقيام بذلك بشكل آمن».
غير أنه لا يوجد إجماع علمي على أن الهندسية الجيولوجية هي الطريقة الوحيدة لتفادي الكارثة. فقد سبق لعلماء، بما في ذلك عدة لجان شكّلتها «أكاديمية العلوم الوطنية»، أن بحثوا إمكانية استخدام هندسة المناخ لمكافحة الاحتباس الحراري، غير أنه لم يتم إجراء أي تجارب عملية. وما نعرفه حتى الآن مصدره هو بعض التجارب الطبيعية وغير المقصودة.
وعلى سبيل المثال، فإن الثوران البركاني، على غرار ذلك الذي حدث في جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991، يمكن أن يتسبب في عام من المناخ البارد. فقد أجرى العلماء عمليات حسابية وتوصلوا إلى أن مكونات الضباب الدخاني تعمل على إبقاء درجة الحرارة العامة منخفضةً بحوالي درجة مئوية، وإنْ كان الضباب الدخاني يتسبب أيضاً في وفيات ناتجة عن الأمراض التنفسية. الخبر السار هو أن عمليات الإطلاق من «ميك سانسيتس» صغيرة جداً، أي أصغر من أن تتسبب في أي ضرر. لكن الخبر السيئ هو أن ذلك لن يؤدي إلى تقدم العلم. فعلى مدى سنوات، حاول العلماءُ القيامَ بعملية إطلاق صغيرة يستطيعون تعقُّبها ومراقبتها.
غير أن القيام بذلك عبر القنوات الرسمية يصطدم بمقاومة حتى الآن. فقد حاول العلماءُ إجراء تجربة تدعى «سكوبيكس» من المكسيك والسويد، لكن منظمات مدافعة عن البيئة منعتهم. بارسون، المحامي البيئي، يقول إن أهم شيء في الوقت الراهن هو التحقق من عدم حصول خطة هذه الشركة القاضية باستخدام عملية إطلاق الكبريت من أجل بيع سندات كربون وهمية.
وبعد ذلك، نحتاج إلى نقاش عقلاني ورصين حول هندسة المناخ. وفي هذا الصدد، يتساءل بارسون: «من له أن يقول إنه لا بأس من القيام بذلك، وإذا ما حدث، ما حجم ما تم القيام به وأين وتحت أي وسائل حماية ومع أي مسؤول؟»، مضيفاً: «هذه كلها أسئلة لم يجرِ بحثُها بعد».
والواقع أن الغلاف الجوي العلوي ليس لديه حدود إقليمية أو وطنية، وما يحدث في مكان ما يؤثر على كل شيء، وهذا ينطبق على كثير من الأنشطة، من قطع الغابات المطرية إلى الأنشطة التي يمكن أن تؤدي إلى إطلاق فيروسات. وقد يكون شعار «تحرك بسرعة واكسر الأشياء» شعاراً ناجحاً بالنسبة للشركات الناشئة، لكنه لا يبعث على الثقة حين نتحدث عن كوكبنا الأرض.
*صحفية متخصصة في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيت»