«ناسا».. صناعة الأوكسجين على المريخ
إذا أراد البشر استكشاف كوكب المريخ مستقبلاً، فإنهم سيحتاجون إلى خلق الأوكسجين. والآن، هناك جهاز بحجم محمصة خبز على الكوكب يفعل ذلك تحديداً. ففي دراسة نشرت هذا الأسبوع في دورية «ساينس أدفانسز»، أظهر باحثون من «معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا» أن «تجربة استخدام مورد الأوكسجين في الموقع على المريخ» – المعروفة بـ«MOXIE» – تستطيع صنع الأوكسجين من ثاني أوكسيد الكربون، المتوافر بكثرة في مناخ المريخ.
ويقول باحثون إن التجربة، التي تُعد جزءاً من «مهمة المسبار برسفيرنس» التي حطّت على المريخ في فبراير 2021، هي المرة الأولى التي تحوّل فيها موارد من كوكب آخر إلى شيء نافع لمهمات بشرية. ويقوم الصندوق الصغير، الذي ابتكره «مختبر الدفع النفاث» التابع لوكالة «ناسا» و«معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا»، بصنع كميات كافية من الأوكسجين تضاهي إنتاج شجرة صغيرة على كوكب الأرض، ويمكن أن يفعل ذلك ليلاً ونهاراً خلال مواسم مريخية مختلفة.
وفي هذا السياق، يقول جيفري هوفمان، وهو رائد فضاء سابق في وكالة «ناسا»: يشغل حالياً منصب نائب المحقق الرئيسي لمهمة «MOXIE» وأستاذ الهندسة الفضائية بمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا: «هذا ما يفعله المستكشفون منذ الأزل: اكتشف الموارد المتاحة في المكان الذي أنت ذاهب إليه ثم اكتشف كيفية استغلالها».
وكالات الفضاء وعلماء الفضاء ورواد الأعمال يتوقون إلى استكشاف البشر للمريخ. وتُعد مهمة «ناسا» المتوقعة إلى القمر «آرتيميس» والتي تواجه بعض المشاكل محطةً مهمة نحو استكشاف المريخ خلال العقد المقبل أو نحوه. ومن جانبها، تأمل الصين إرسال بشر إلى الكوكب بحلول 2033. كما ألمح إيلون ماسك، الذي يُعد أغنى رجل في العالم والرئيس التنفيذي لـ«سبيس إكس»، إلى فعل ذلك بحلول 2029.
ولكن إرسال بشر إلى المريخ يتطلب حدوث عدد من الأشياء المعقدة، كما يقول هوفمان. إذ سيتعين على رواد الفضاء تحمل مستويات مرتفعة من الإشعاع الكوني خلال الرحلة الطويلة إلى الكوكب. وفضلاً عن ذلك، فإن السفر إلى المريخ ذهاباً وإياباً يمكن أن يستغرق 8 أشهر، وبالتالي، يجب أن تكون هناك إمدادات كافية من الغذاء والأدوية بالنسبة لمسافري الفضاء.
ولعل أهم شيء هو الأوكسجين، يقول هوفمان. فرواد الفضاء يحتاجونه من أجل التنفس في أي بيئة مؤقتة ينشئونها على المريخ، وكذلك في خزانات بدلات الفضاء حين يخرجون لاستكشاف الكوكب. وعلاوة على ذلك، فإنه يمثّل مادة دافعة مهمة لتزويد الصاروخ الذي سيحتاجونه من أجل إعادتهم من المريخ إلى الأرض بالوقود.
والواقع أنه من الممكن أن ترسل وكالات الفضاء ما يكفي من الأوكسجين إلى المريخ حتى يستطيع رواد الفضاء التنفس والقيام برحلة العودة إلى الأرض، يقول هوفمان، ولكن القيام بذلك سيكون مكلفاً للغاية، نظراً لأن إيصاله سيتطلب عدة عمليات إطلاق صاروخية. وأضاف أن صنع الأوكسجين على المريخ من ثاني أوكسيد الكربون في مناخ الكوكب سيكون أرخص. (يذكر هنا أن مناخ المريخ مكون من ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 96 في المئة).
ولاختبار تلك القدرة، جلبت «ناسا» معها صندوقاً ذهبياً صغيراً على متن مهمة «مسبار برسفيرنس» العام الماضي. ومنذ أبريل 2021، أجرت «MOXIE» عدداً من الاختبارات التي أنتجت فيها الأوكسجين خلال أوقات مختلفة من اليوم المريخي، وخلال ظروف موسمية مختلفة. وخلال كل تجربة، خلق الصندوق قرابة 6 غرامات من الأوكسجين في الساعة، أي ما يعادل إنتاج شجرة متواضعة على كوكب الأرض.
وإذا أُتقنت هذه التكنولوجيا، سيتعين على العلماء تكبير حجم الآلة بشكل مهم والتأكد من أنها تستطيع الاشتغال بشكل مستمر. فلدعم مهمات بشرية إلى المريخ وإعادة الناس إلى الأرض، يقول هوفمان، ستكون هناك حاجة إلى إنتاج من 4.5 إلى 6.5 أرطال من الأوكسجين في الساعة على الأقل خلال مهمة تدوم أكثر من سنة. «وهذا سيتطلب تكبير الأشياء بعدة مئات من المرات»، كما يقول.
ويعتزم المهندسون مستقبلاً دفع «MOXIE» إلى حدود طاقتها القصوى عبر رفع قدرتها لإنتاج الأوكسجين والتأكد من أنها تشتغل خلال الربيع المريخي، حينما يكون مناخ الكوكب كثيفاً ومستويات ثاني أوكسيد الكربون مرتفعة جداً. وفي هذا الإطار، يقول مايكل هيكت، المحقق الرئيسي لمهمة «MOXIE» في «مرصد هايستاك» التابع لـ«معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا»: «إننا سنرفع كل شيء إلى أعلى مستوى نجرؤ عليه، وسنتركه يشتغل لأطول وقت ممكن».
وسيراقب المهندسون الآلة بحثاً عن أي أعطاب أو اختلالات قد تحدث أثناء التشغيل، وسيقيّمون ما إن كانت لديها القدرة على تحمل ما يكفي من الضغط لتحديد ما إن كان بالإمكان تحويلها إلى نظام بحجم حقيقي يستطيع الاشتغال بشكل مستمر لآلاف الساعات. وإذا كان الأمر كذلك، فإن التأثيرات يمكن أن تكون مهمة.
ويقول هوفمان: «لدعم مهمة بشرية إلى المريخ، يجب أن نجلب الكثير من الأشياء من كوكب الأرض. أما بخصوص الأوكسجين، فإذا استطعت صنعه هناك، فافعل --- فأنت متقدم وفي وضع يعد بالنجاح».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنيج آند سينديكيشن»