«زينتس» وتحديات البيت الأبيض
هل يستطيع شخص أمضى الجزء الأكبر من مسيرته المهنية خارج الحياة السياسية والحكومة ولديه تجربة محدودة في الوساطة ورعاية اتفاقات في الكونجرس النجاحَ في منصب كبير موظفي البيت الأبيض؟
مناسبة هذا السؤال هي أن الرئيس جو بايدن عيّن مسؤوله السابق المعني بالرد على وباء كوفيد- 19 «جيف زينتس» في هذا المنصب، خلفاً لرون كلين، الذي يُعد واحداً من أكثر الأشخاص قدرة وكفاءة الذين شغلوا هذا المنصب على الإطلاق. «زينتس»، وهو مستشار إداري ورائد أعمال سابق شغل مرتين منصبَ مدير «مكتب الإدارة والميزانية» بالإنابة في إدارة الرئيس باراك أوباما، يملك تجربة سياسية أقل من العديد ممن سبقوه في هذا المنصب، بمن فيهم كلين، ولاسيما في ما يتعلق بالعمل مع السلطة التشريعية. وهذا مؤسف، لأن المفاوضات مع الكونجرس تُعد واحدة من مسؤوليات المنصب الكثيرة عادة.
غير أن النقص في سيرة زينتس الذاتية والمهنية لا يفترض أن يكون قاضياً، طالما أنه مدرك لأوجه القصور ومستعد للعمل من أجل تعويضها.
ولا شك أن زينتس سيجلب معه خبرة قيّمة جداً إلى الوظيفة الجديدة. فعلاوة على الفترة التي أمضاها في «مكتب الإدارة والميزانية»، عمل أيضاً كرئيس لـ«المجلس الاقتصادي الوطني»، في إدارة أوباما كذلك. والجدير بالذكر هنا أن «مكتب الإدارة والميزانية» كان بمثابة أرضية تدريب بالنسبة لكبراء موظفي البيت الأبيض مثل جاك لو (بالنسبة لأوباما)، وجوشوا بولتن (الرئيس جورج دبليو. بوش) وليون بانيتا (الرئيس بيل كلينتون).
كل دور من الأدوار التي أُسندت إلى زينتس خلال رئاسة أوباما يتطلب فهماً كبيراً للسلطة التنفيذية بأكملها، مما يعني ضرورة أن يكون لدى المرء اطلاع على مصالح كل وزارة ووكالة حكومية. وجزء كبير من دور كبير موظفي البيت الأبيض يتعلق بتنسيق السياسات عبر مختلف الوكالات الحكومية، كما أن جزءاً كبيراً آخر من الوظيفة يتمثل في التحقق من أن السلطة التنفيذية تطبّق السياسات بالطريقة التي يريدها الرئيس.
والواقع أنه ليس دقيقاً تماماً القول إن زينتس يفتقر لتجربة سياسية. ذلك أن تنسيق السياسات داخل السلطة التنفيذية هو تمرين سياسي بشكل رئيسي، وليس تمريناً تقنياً.
غير أن الكثيرين ممن سبقوا زينتس في المنصب كانوا سياسيين أصلاً، إذ منهم حكام ولايات سابقون، وأعضاء في مجلس الشيوخ، وأعضاء في مجلس النواب. كما أن هناك كبير موظفين آخر متميزاً هو جيمس بيكر (لريجن وجورج بوش الأب) الذي سبق له أن أدار حملات انتخابية وطنية.
أما الأشخاص الذين كانوا أقل نجاحاً في منصب كبير موظفي البيت الأبيض، فقد كانوا عموماً أشخاصاً ذوي تجربة محدودة جداً في الحكومة الفيدرالية. وعلى سبيل المثال، فإن ماك ماكلارتي، في عهد كلينتون، لم يجلب سوى تجربة تجارية إلى المنصب. وإتش. آر. هالدمان وهاميلتون جوردن كانا عملا لحساب نيكسون وكارتر، على التوالي، لوقت طويل قبل توليهما المنصب، ولكن لا أحد منهما كان عمل في الحكومة الفدرالية. وعلاوة على ذلك، فإن كبير موظفي ريجان، دون ريجان، كان كل رصيده هو أربع سنوات كوزير في الحكومة.
والواقع أن ريجان يمثّل أيضاً تذكيراً بأنه إذا كان كبير الموظفين هو رئيس موظفي البيت الأبيض، فإن المنصب يتعلق بشكل رئيسي بدعم الرئيس وليس برئاسة الموظفين. وكبير الموظفين الذين ينسى هذا الأمر لن يبقى طويلاً في المنصب. أما الخبرة في مجال الأعمال التجارية، وهي شيء يشترك فيه هالدمان وريجان وويليام دالي، الذي يُعد أضعف كبير موظفين في عهد أوباما، فلا يبدو أنها تمثل تدريباً مفيداً للوظيفة بشكل خاص.
والحقيقة أنه ليست هناك ضرورة لأن يكون كبير موظفي البيت الأبيض بارعاً في التواصل مع الناخبين، غير أنه من الضروري أن يكون لديه فهم للسياسيين والعلاقات مع الناخبين. والحال أن هذا شيء لا يملك فيه زينتس سوى الحد الأدنى من التجربة، وربما يُعد أهم من حقيقة أنه لم يكن منخرطاً كثيراً في الحملات الانتخابية.
ولئن كانت زعامة إدارة بايدن في اللقاحات وجهود مكافحة الوباء بشكل عام سلسلةً على نحو لافت من حيث التنسيق داخل الحكومة وبين مختلف الوكالات التابعة لها، فإن هناك مجالاً واحداً لم يعرف مثل هذا النجاح، ألا وهو التواصل مع الجمهور.
وبشكل عام، يرث زينتس بيتاً أبيض يبدو في حالة جيدة. ذلك أن مشاكل بايدن الرئيسية تتعلق بنتائج السياسات، مثل التضخم، وليس بمشاكل شخصية أو بالكفاءة داخل البيت الأبيض. كما أن الأمر لا يتعلق بعملية إنقاذ، مثلما حدث في السنوات الأولى من إدارة كلينتون أو في أي مرحلة من مراحل رئاسة جيمي كارتر.
في الحالات المثالية، يكون كل كبير موظفي البيت الأبيض مستعداً استعداداً مثالياً لتولي المنصب، ولكن ذلك غير ممكن دائماً. والواقع أنه من الصعب معرفة إلى أي مدى تساهم الخلفية في إعداد المرء لتقلد مثل هذه الوظيفة الفريدة والمتطلبة. ولكن يبدو أن زينتس يمثّل اختياراً واعداً بشكل معقول للإبقاء على تواصل رئاسة بايدن بسلاسة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينذيكيشن»