العراق.. فوز رياضي وأمل سياسي
قد تحقق الرياضة ما لم تحققه السياسة، وما فرقته السياسة جمعته الرياضة.. جملتان حقيقيتان 100%، ورغم ما حققته سياسة دول الخليج تجاه العراق من جهود ونجاحات باحتوائه وإعادته إلى الحضن العربي، بعد عقدين من الأسى والوجع واختلال الأمن وهدر المقدرات، ورغم الجهود الدبلوماسية الخليجية الحكيمة للم الشمل ومقاربة المواقف وإحلال الاستقرار، إلا أن إقامة بطولة «خليجي 25» في 6 يناير 2023 على أرض بلاد الرافدين قضت خلال أيام معدودة على ما سعى المغرضون لتحقيقه خلال عقود ببث الفتنة بين أبناء المنطقة ونشر الفوضى والحزبية ومحاولات سلخ العراق من هويته وعمقه التاريخي والجغرافي.
انتهت بطولة «خليجي 25» بفوز العراق فوزاً مستحقاً بعد مباراة شيقة مع المنتخب الوطني لعمان الشقيقة، فشخصت أبصار أبناء الخليج نحو المحفل الأخوي الذي لمَّ القلوب أكثر من كونه مجرد دوري رياضي عابر.
فـ«خليجي 25» هذه المرة مختلف باختلاف نكهته الأخوية بين ضفتي دجلة والفرات، وداخل قلوب الأشقاء العراقيين وكأنهم ينتظرون أية فرصة للتعبير عن مشاعرهم الدافئة وشغفهم بلقاء الأشقاء دون أي حسابات سياسية، ليعم الفرحُ جميعَ دول الخليج وشعوبها بفوز العراق واستحقاقه كأس الخليج.
موادٌ مصورةٌ لمواقفَ متعددة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ترجمت مظاهرَ الحفاوة الباذخة للشعب العراقي بكافة أطيافه تجاه إخوتهم ومدى التلاحم والألفة بينهم وبين ضيوفهم من دول الخليج وبهجتهم بتواجدهم على أرضهم.. مواقف أعادتنا إلى المربَّع الأول الجميل المتناغم بين سكان المنطقة المتشابهين في العادات والتقاليد والديموغرافية المنسجمة لشعوبها وأرضها وتضاريسها وأجوائها.. لترسخ مجدداً أواصرَ اللُّحمة الخليجية التي ينبض بها الجسد العراقي ويحن إليها بوصفها محيطه الطبيعي وامتدادَه التاريخي. فالعراق حضارة عربية ضاربة في عمق التاريخ البشري ونقطة ارتكاز في الشرق الأوسط بعمق استراتيجي ممتد بامتداد تاريخ المنطقة العربية.
وبلاد الرافدين أرض متدفقة بالعلم والأدب كتدفق نهريها، وصالون عربي عريق للثقافة والفكر والموسيقى والمواويل، وسوق أدبي لأمهات الكتب وفرائد المؤلفات في حقول الإبداع والنشر. غير أن هذا البلد العظيم دخل في غربة إجبارية بعد غزو الكويت في أغسطس عام 1990، وما تبع ذلك من تداعيات سياسية تحت فكي كماشة القوى العظمى، الدولية والإقليمية، ليبقى العراق رهينة الفوضى والجمود الاقتصادي والصراع الداخلي الذي أفضى إلى تكريس الغربة والغياب القسري على كافة الساحات السياسية والاقتصادية، وحتى الثقافية أيضاً.
ومثلت بطولة «خليجي 25» منعطفاً إيجابياً كبيراً في طريق انتقال العراق إلى مرحلة جديدة من علاقاته مع دول الجوار عبر بوابة الرياضة، ورسالةً سياسيةً مهمةً تحمل في طياتها تغيراً كبيراً في طبيعة العلاقة بين العراق ودول الخليج العربي وتوثيق هذه العلاقات على كافة المستويات وبناء جسور جديدة ومتينة لتحقيق طموحات الشعب العراقي في الانتقال إلى مرحلة مغايرة، سواء في علاقاته السياسية مع دول الخليج ككل، أم على صعيد العلاقات الاقتصادية والاستثمارية وتحقيق النمو والازدهار لدولة لديها المقدرات الطبيعية (النفط والزراعة.. إلخ) والبشرية (العقول المبدعة في شتى المجالات العلمية والثقافية). لقد أثبت أبناء العراق الأصيل خلال بطولة «خليجي 25»، أن ما بناه المغرضون والغادرون في عقود، نسفه الحنينُ والدماءُ الوفية في أيام!
*كاتبة سعودية