البرازيل في دافوس: أولويات مناخية
عندما ظهر الرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو لأول مرة في المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2019، ألقى خطابا سيئاً. ووصف المراقبون في ذلك الوقت تصريحاته اللاذعة بأنها «جافة» بينما كان بولسونارو يتملق الحشد ذي العقلية التجارية المتجمعة في جبال الألب السويسرية. لكن قرب نهاية الاجتماع، أظهر ميوله الأيديولوجية اليمينية المتشددة. وأعلن أن «اليسار لن يسود في هذه المنطقة، وهذا أمر جيد، على ما أعتقد، ليس فقط لأميركا الجنوبية، ولكن أيضا للعالم».
وفي هذا الأسبوع، شهد المنتدى الاقتصادي العالمي العودة الدولية للإدارة البرازيلية ذات الميول اليسارية التي تفوقت مؤخرا على بولسونارو، بما في ذلك وزيرين بارزين في حكومة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وعلى رأس جدول أعمالهم حل الضرر البيئي الذي تسبب فيه الرئيس السابق، الذي انتقد الإجماع الدولي بشأن تغير المناخ ومكّن ضمنيا من تدمير مساحات من غابات الأمازون المطيرة بوساطة الحطابين ومربي الماشية.
في عهد بولسنارو، تم إسقاط اللوائح البيئية، وتفكيك أو تدمير الوكالات الفيدرالية المكلفة بحماية الغابات المطيرة ومجتمعات السكان الأصليين. ونتيجة لذلك، وفقا لأحد التقديرات، ارتفع معدل إزالة الغابات بنسبة 60%، مما أدى إلى أن تصبح غابات الأمازون المطيرة - الرئتان اللتان يضرب بهما المثل في العالم - مصدرا خالصا لانبعاث ثاني أكسيد الكربون، بدلا من امتصاص انبعاثات الكربون العالمية.
والآن، تعهد «لولا» وحلفاؤه بتغيير هذه الاتجاهات والسير في اتجاه معاكس. قالت لي «مارينا سيلفا»، وزيرة البيئة البرازيلية الجديدة، خلال مقابلة في أروقة المنتدى الاقتصادي العالمي: «تلعب البرازيل دوراً رئيسياً كدولة ضخمة ذات تنوع بيولوجي، دولة ذات غابات هائلة». واستطردت: «لم يكن هناك مستقبل مع السياسات التي وضعها بولسونارو».
يذكر أن «سيلفا»، وهي ناشطة بيئية مخضرمة تحولت إلى سياسية شعبوية، كانت قد خدمت أيضا خلال الفترة الأولى التي قضاها لولا في المنصب بين عامي 2003 و2008. وكان الفضل لهذه الحكومة في الحد من إزالة الغابات المطيرة ووضع البرازيل كعامل رئيسي للعمل المناخي على المسرح العالمي. وقالت: «لقد شعرت بالحزن الشديد لأنه على الرغم من الإنجازات العديدة التي حققناها في إدارة «لولا» الأولى، فقد تم عكس الكثير منها بواسطة بولسونارو»، مضيفة أن حكومتها تواجه الآن مشروعا ذا مسارين: الأول يهدف «لاستعادة الوقت الضائع وإزالة الضرر الذي حدث»، والآخر لدفع أجندة المناخ إلى أبعد مما كانت عليه في أي وقت مضى على الجبهات الأخرى».
تقول «سيلفا» إن البرازيل ملتزمة بعدم إزالة الغابات بحلول عام 2030 وتأمل في استضافة قمة المناخ الكبرى COP30 المرتبطة بالأمم المتحدة في عام 2025. وفي الملاحظات التي ألقيت يوم الثلاثاء في منتدى دافوس، شددت سيلفا أيضا على ضرورة احترام المجتمع الدولي لالتزاماته الاستثمارية لمساعدة البرازيل في جهود التخفيف والتكيف مع التغير المناخي الآن.
وتضيف وزيرة البيئة البرازيلية: «يمكننا خفض إزالة الغابات في منطقة الأمازون إلى الصفر، ولكن إذا استمر انبعاث ثاني أكسيد الكربون في بقية العالم، فسيتم تدمير منطقة الأمازون»، مشيرة إلى الضرورة الملحة للتحول الأخضر. في يوم الأربعاء الماضي أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش مزيداً من التحذيرات من كارثة المناخ الوشيكة، وحث السياسيين وكبار رجال الأعمال في دافوس على فطم مجتمعاتهم من الوقود الأحفوري و «وقف حربنا على الطبيعة».
بالنسبة للحكومة البرازيلية الجديدة، هناك مخاوف أخرى. قبل أقل من أسبوعين، قام مئات من أنصار بولسونارو بنهب قلب العاصمة الفيدرالية في أعمال شغب رددت الغضب العميق والمعلومات الخاطئة عبر الإنترنت والاستقطاب السياسي الذي يجتاح البلاد. وقالت سيلفا إن مشاهد العنف في الثامن من يناير كانت«مصدر حزن وسخط لنا جميعا الديمقراطيين».
وأضافت أن الدعم السريع لحكومة «لولا» من إدارة بايدن وأعضاء الكونجرس الأميركي وجيران البرازيل في أميركا اللاتينية والديمقراطيات الغربية الأخرى كان«أساسيا» في تعزيز الديمقراطية البرازيلية في لحظة هشة.
لكن وزيرة البيئة أوضحت أن الوضع لا يزال محفوفا بالمخاطر. وقالت:«لا يمكننا أن نقلل من دور ما يمثله بولسونارو. على الرغم من هزيمة حركته انتخابيا، إلا أنها لا تزال قوة سياسية حقيقية».
وأكدت سيلفا أن «هناك مساحة صغيرة جدا للحوار لأنهم لا يحترمون القواعد الأساسية للحوار السياسي». وأضافت: «من الصعب مناقشة الأشخاص الذين ينكرون العلم، والذين يعتقدون أن الأرض مسطحة، والذين يعتقدون أنه لا ينبغي لنا أخذ اللقاحات».
وأضافت أنه على المستوى المجتمعي الأعمق، يجب على السياسيين العمل من أجل«إيجاد أرضية مشتركة» في بلدانهم. وأوضحت الوزيرة أنه في عصر الظلم وأزمة المناخ، فإن«الشيء الوحيد الذي نجده جميعا هو أن الحضارة يجب أن تعيد اختراع نفسها. وفي ظل هذه الخلفية علينا إعادة التفكير في كيفية عمل ديمقراطياتنا»..
وبالطبع، فإن التجربة في البرازيل تعكس إلى حد ما تمرد ترامب في عام 2021.«كما حدث في الولايات المتحدة قبل بضع سنوات، لا نريد أن نرى قادة سابقين يحاولون الاستيلاء على الحكومة أو فرض إرادتهم على الناس كما يبدو أن الرئيس السابق بولسونارو وبعض مساعديه حاولوا»، كما ذكر لي النائب خواكين كاسترو (ديمقراطي - تكساس)، وهو جزء من وفد أميركي من الحزبين في دافوس.
وأشار كاسترو إلى الروابط بين اليمين المتشدد العالمي، وخاصة بين الشخصيات داخل معسكرات بولسونارو والرئيس السابق دونالد ترامب. وقال:«من المفارقات أن كثيرا ما يشير الناس في أقصى اليمين إلى الناس في اليسار باعتبارهم دعاة العولمة، وأنهم يفرضون أجندة على العالم، بينما في الحقيقة لديك اليمين المتشدد في الولايات المتحدة ينسق الأنشطة مع اليمين المتشدد في بلدان أخرى، بما في ذلك البرازيل».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»