عندما استلمت نانسي بيلوسي مطرقة رئاسة مجلس النواب في يناير 2007، حدث ذلك وسط حديث متزايد عن صنع التاريخ وكسر الحواجز. «من أجل بناتنا وحفيداتنا، حطّمنا السقف الرخامي اليوم»، هكذا قالت أثناء تنصيبها، مضيفة «اليوم ليست هناك حدود وكل شيء بات ممكناً».
16 عاماً، و4 رؤساء، ومحاكمتا عزل، ووباء، وتمرد فاشل... الآن سلّمت تلك المطرقة إلى رئيس جديد وتتنحى عن قيادة مجلس النواب للأبد وسط مشهد سياسي ربما أكثر قتامة وانقساماً مما تصورته في تلك الأيام الأولى. صحيح أن سنوات جورج دبليو. بوش لم تتميز بأعلى مستوى من الوئام بين الحزبين والثقة العامة في الحكومة، ولكنها كانت بعيدة كل البعد عن عدمية ترامب المهووسة بالعنف والمروجة لنظرية المؤامرة. غير أن بيلوسي لم تكن أبداً شخصية تسمح للكارهين بالنيل منها، وبعض أهم أعمالها القيادية أتت في بعض من أدنى لحظات الأمة.
ولأن التاريخ اختزالي، فإنه سيتذكرها باعتبارها أول مرة صعدت إلى المنصب المرموق لرئيسة مجلس النواب، على بعد خطوتين فقط من الرئاسة. ولا شك أن الأشخاص الذين تابعوا عملها في مجلس النواب لعدة سنوات، سيتذكرونها باعتبارها شخصية صنديدة.
لا أقصد بهذه الكلمة أن بيلوسي شخصية قوية على نحو استعراضي أو متعجرف، بل على العكس من ذلك تماماً. فخلال العقدين اللذين أمضتهما على رأس الفريق «الديمقراطي» في مجلس النواب، سواء في الأغلبية أو في الأقلية، كانت بيلوسي فعّالة على نحو لافت، جزئياً لأنها لم تكن تنشغل بصورتها العامة ولا تلقي لها بالاً. فما يهمها هو إنجاز الأشياء – أكان تمرير تشريع، أو إحباط أجندة المعارضة، أو حماية أعضائها حين يحين وقت الانتخابات. وهي براغماتية لحد وحشي (لدرجة مبالغ فيها، في أعين بعض أعضاء فريقها)، كما أن لديها فهماً للنقاط السياسية الحساسة للحلفاء والخصوم على حد سواء ينم عن دهاء سياسي لا تخطئه العين. وهي لا تستأثر بالإشادة والفضل في أفكارها الصائبة والذكية، ولا تضيع وقتاً في التفلسف علانية أو تحميل الآخرين مسؤولية أفكارها وقراراتها الخاطئة. ولا أحد يعمل أكثر منها لدرجة أن مساعديها وحلفاءها كوّنوا صورة أسطورية عن طاقتها التي يبدو أنها لا تنفد.
في كثير من الأحيان استهين ببيلوسي وقُلل من شأنها. وهذه إحدى ميزاتها التنافسية في الواقع. فصورة تلك الجدة التي ترتدي عقداً من اللؤلؤ جعلت الكثيرين يظنون أنه بالإمكان استصغارها أو أنهم يفوقنها مكراً ودهاء أو أنه يمكن ترهيبها. ولكن أكثر من رئيس «جمهوري» وأكثر من زعيم في الكونجرس رأى أفضل مخططاته تخيب وتفشل إزاء ابتسامتها المشرقة ذات المسحة الخرقاء. وعلى سبيل المثال، فإن محاولة بوش خلال ولايته الثانية إعادة صياغة «الضمان الاجتماعي» لم تحظَ بأي فرصة في النجاح، وحتى الرئيس دونالد ترامب من الواضح أنه يشعر بقدر كبير مما يبدو خليطاً من الرهبة والاحترام تجاهها، ولم يعرف كيف يتعامل معها في وقت عاملته كرجل سريع الغضب كالأطفال. بل إن الرجل عجز حتى عن أن يجد لها لقباً مهيناً يبقى ويتذكره الناس.
وخلاصة القول إن بيلوسي شخصية فريدة من نوعها، ومن غير المحتمل أن نرى شخصية سياسية أخرى من طينتها قريباً. لقد شقّت طريقها بثبات نحو قمة نادٍ ذكوري في الكونجرس، ثم راحت تميّز نفسها كأكثر زعيمة مجلس نواب مهابة وأكثرها فعّالية منذ منتصف القرن الماضي. وسواء شئنا أم أبينا، فلا بد من الاعتراف بقوة شخصيتها.
*صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/11/17/opinion/pelosi-speaker.html