2023.. استمرار للعام الماضي
مع اقتراب عام 2022 من نهايته، نؤدي طقوساً مألوفة للاحتفال بالعام الماضي، ونبشر بالعام الجديد بوعد كاذب ببدايات جديدة. ونتخذ قرارات مثل الإقلاع عن التدخين وفقدان الوزن وتوفير وقت أكبر للراحة للاسترخاء. إنها القرارات نفسها التي اتخذناها من قبل وفشلنا في الالتزام بها، على أمل أن تكون هذه المرة مختلفة. لكن الأمر يتطلب أكثر من صفحة جديدة في التقويم لتغيير السلوك. وهذا صحيح لكل من الناس والعالم الذي نعيش فيه.
وبعد قراءة العشرات من التوقعات الخيالية للمعلقين السياسيين حول التغييرات «الكبيرة» التي يخبئها لنا عام 2023، فمن الضروري الإشارة إلى بعض الملاحظات التصحيحية. فمن نواحٍ عديدة، لن يكون عام 2023 أكثر من استمرار لعام 2022. وفي السياسة الداخلية والشؤون الدولية، ستظل الثوابت كما هي.
وباستثناء بعض الأحداث الدرامية غير المتوقعة، ستسير الأمور كما كانت عليه. ودعونا نلقي نظرة على بعض النقاط. الحرب الروسية في أوكرانيا: على الرغم من تأثر روسيا سلباً بالعقوبات والخسائر الفادحة في أوكرانيا، لكن لا تظهر عليها أي بادرة استعداد لإنهاء هجومها.
وصحيح أن توفير الولايات المتحدة للأسلحة قد مكّن الأوكرانيين من التصدي للهجمات ومعاودة الكر، لكنه أدى أيضاً إلى تفاقم الصراع. ويدفع الأوكرانيون والمجنّدون الروس الشباب الثمن الأكبر، فقد تعرض الأوكرانيون لهجمات مروعة، والمواطنون الروس أُجبروا على الانخراط في العمل العسكري. وسيستمر هذا الصراع في عام 2023 مع عدم استعداد أو قدرة أي من الطرفين على الاستسلام أو التراجع عن مطالبهما القصوى.
وأوروبا تعاني بالفعل الانكماش الاقتصادي والموجات المتتالية من اللاجئين التي أدت إلى تفاقم الانقسامات الداخلية. وكل هذا سيجعل القارة العجوز تواصل انحرافها نحو اليمين. ونقص الوقود في فصل الشتاء الذي سببته الحرب سيظل يختبر قوة المؤسسات الديمقراطية في أوروبا.
في إيران: الإيرانيون يشعرون بالسخط من رجال الدين، لكنهم شاركوا في الآونة الأخيرة في احتجاجات. وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية وعزلة الدولة المتزايدة عن الغرب، نجحت إيران في العثور على حلفاء وأسواق للنفط والسلاح مما قلص احتمالات إبرام اتفاق نووي جديد أو تقليص دور إيران الإقليمي التدخلي.
إسرائيل والفلسطينيون: أعلنت الحكومة الإسرائيلية الجديدة عزمها الإسراع بحركة الاستيطان في الأراضي المحتلة وتصعيد قمع السكان الفلسطينيين المحاصرين. وجاء الرد الرسمي للولايات المتحدة وهو ما تمليه السياسات المحلية وليس المبدأ، فاتراً يتمثل في الانتظار والترقب.
وفي مواجهة السياسات الإسرائيلية، سيواصل الرأي العام الأميركي تحوله، لكن ليس بما يكفي لدفع الكونجرس أو البيت الأبيض للتصرف بشكل حاسم لوقف السلوك الإسرائيلي. الخلل الوظيفي في الحياة السياسية الأميركية: في الداخل، الخلل السياسي مستمر.
سيفعل «الجمهوريون» كل ما في وسعهم لتعطيل العامين الباقيين من الولاية الأولى للرئيس بايدن. وسيواصل الحزب «الجمهوري» الاتهام نفسه، مما يدل على سيطرة دونالد ترامب، وتوجه ترامب السياسي، على قاعدة الحزب «الجمهوري». والمعلقون أنفسهم الذين توهموا ارتفاع «موجة حمراء» في عام 2022 ثم أعلنوا مخطئين أن «الديمقراطيين» حققوا انتصارات غير متوقعة، هؤلاء المعلقون باتوا مقتنعين الآن بأن ترامب قد انتهى. ومازال الصواب يجانبهم في مسعاهم لكتابة تأبين سياسي لترامب وبحث عن خليفة له. فما زال الناخبون منقسمين بعمق وبشكل متساوٍ تقريباً. وما زال ترامب وأفكاره على قيد الحياة، ويسريان في وريد عميق من الاستياء لدى قطاع كبير من الناخبين. لقد استهدف ترامب الإعلام و«النخب» و«الدولة العميقة» والقضاء ومكتب التحقيقات الاتحادي «إف.بي.أي» و«الديمقراطيين»، وهي المؤسسات نفسها التي تهاجمه.
وفي نظر أتباع ترامب، فإن هذه المؤسسات التي «تلاحقه» تعطي مشروعية لاستيائهم وتقوي ترامب. ولن يتمكن الحزب «الجمهوري» من استبداله والبقاء كحزب قادر على الصمود، إلا إذا تنحى ترامب طواعية ووافق على شخصية تخلفه، وهو أمر غير مرجح. إذا أراد المرء معرفة إلى أين نتجه، فعليه أن يرجع إلى موضع بدايتنا وإلى ما وصلنا إليه اليوم، ويواصل المسير نحو المستقبل. وسيكون عام 2023 استمراراً لعام 2022 وليس «عاماً جديداً» ما لم تتدخل العناية الإلهية.
رئيس المعهد الأميركي العربي - واشنطن