«أُقسم بذلك».. شهادة نائبِ رئيسٍ أميركي
يستهلّ نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس مذكراته الجديدة، وعنوانها «أُقسم بذلك»، بسرد أحداث 6 يناير 2021، حينما اقتحمت حشود من أنصار الرئيس دونالد ترامب مبنى الكونجرس في محاولة لمنع أعضائه من التصديق على نتائج انتخابات 2020 الرئاسية. وفي ملحق على الصفحة الأخيرة من الكتاب، يعيد نشر رسالة كان قد بعثها إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في 12 يناير 2021، يشير فيها إلى «الرئيس المنتخَب جو بايدن». غير أن الكتاب يكاد يخلو من أي اعترافٍ أو إشارةٍ ضمنية أو صريحة إلى أن رفيقه في السباق الانتخابي خسر الانتخابات بشكل نزيه ووفقاً للقواعد وأن بايدن هو خلفه الشرعي.
لم يلعب بنس دوراً بارزاً ضمن إدارة ترامب، ولهذا، فمن المنطقي أن يكون الفصل الأكثر إثارةً للاهتمام في الكتاب هو ذاك المتعلق بأحداث 6 يناير، حين اتخذت مهمة نائب الرئيس البروتوكولية المتمثلة في ترؤس تصديق الكونجرس على نتائج الانتخابات أهميةً رمزيةً كبيرةً. والواقع أن بنس لم ينقل كاملَ فظاعات اقتحام مقر الكونجرس، لكنه كتب عن غضبه من «تدنيس (المقتحِمين) مركز ديمقراطيتنا وإهانة الشعور الوطني للملايين من أنصارنا».
الشجاعة التي أبان عنها بنس ببقائه في «الكابيتول» وإصراره على أن يستأنف الكونجرس عقدَ جلسته ذاك المساء من أجل إكمال عمله، واضحةٌ وتغني عن أي تعليق. ولئن كان من غير الواضح ما إن كانت طموحات انتخابية مستقبلية تقف وراء كتابة مذكراته، فإن سلوكه المشرِّف خلال يوم مظلم وخطير في تاريخ أميركا يوفِّر مادة خطابية للحملات الانتخابية أكثرَ قوةً وإقناعاً مما يستطيع معظم السياسيين الإتيان به.
وباستثناء ذاك الحدث التاريخي ووصفه التفصيلي لشخصية فريدة في تاريخ الرئاسة الأميركية، فإن مذكرات بنس تشبه مذكرات سياسيين آخرين. إذ يكتشف القارئ سنوات صباه «الهادئة» في جنوب ولاية إنديانا كواحد من بين ستة أطفال في عائلة أميركية إيرلندية كاثوليكية متدينة. وعلى الرغم من أنه كتب أن الرئيس جون إف. كينيدي والقس مارتن لوثر كينج جونيور كانا «بطلاي في فترة الشباب»، فإن بنس تحوّل إلى المسيحية الإنجيلية والحزب الجمهوري أيام الجامعة. تلت ذلك كلية الحقوق، فالزواج، ثم ترشحٌ فاشل للكونجرس. وأمضى بنس عقد التسعينيات في ترؤس مركز بحوث مغمور وحقَّق نجاحاً متواضعاً كمقدِّم برامج حوارية يميني على الإذاعة والتلفزيون، قبل أن يفوز في انتخابات الكونجرس عام 2000. وفي مجلس النواب، تمسك بمواقف محافظة، ودعم حرب جورج دبليو. بوش على الإرهاب من دون تحفظ، لكنه كثيراً ما كان يختلف مع سياسته الداخلية، التي كان يَعتبر معظمَها «سياسةً محافظةً تميل للحكومة الكبيرة».
وبينما تدرّج بنس في قيادة الحزب الجمهوري، شجّعه بعض النشطاء والمعلِّقين المحافظين على الترشح للرئاسة. ويعترف بأنه كان مهتماً بذلك في البداية، لكنه في النهاية آثر العودة إلى إنديانا في عام 2012 للترشح لمنصب حاكم الولاية. وخلال ولايته الوحيدة في ذلك المنصب، دفع في اتجاه خفض الضرائب، وتقييد الإجهاض، ومحاولة تمرير مشروع قانون يتعلق بالحرية الدينية قوبل بمعارضةٍ واسعةٍ.
شعبية بنس تراجعت خلال الفترة التي قضاها في منصب حاكم الولاية، لكن فرص إعادة انتخابه في عام 2016 تبدّدت حين اختاره ترامب ليكون رفيقاً له في السباق الانتخابي. ولئن كان بنس يرفض التكهن بالدوافع التي دفعت ترامب لتفضيله على مرشحين آخرين، فإن معظم المراقبين يشيرون إلى أنه قوّى «التذكرة الجمهورية» في ولايات «الحزام الصدأ» بالغة الأهمية، وطمأنَ الناخبين المسيحيين الذين كانوا يرتابون في التزام ترامب صاحب السلوك الجريء والمثير للجدل، والمطلّق مرتين، إزاء الأخلاق المحافظة والتقليدية.
ويُعد وصف بنس لتفاعلاته مع ترامب من بين الأجزاء الأكثر إثارةً للاهتمام في الكتاب، وإن كانت الموضوعية هنا أيضاً ليست نقطة قوته. وفي هذا الصدد، يؤكد بنس لرئيسه على أنه في ما عدا عائلة ترامب، فإنه «لا أحد في هذه الإدارة أكثر ولاءً لك مني». وفي معظم هذا السرد، يقدِّم بنس دفاعَ شخصٍ موالٍ، فيُبدي تفهماً إزاء تصريحات ترامب النارية، ويَعتبر عدد التغييرات الكبير في أعضاء الإدارة نتيجةً لحرص ترامب المتشبّع بعقلية الأعمال على التخلص من أصحاب الأداء الضعيف، ويؤكد أن الفوضى التي اعترت البيت الأبيض في مرحلة من المراحل كانت مجرد بيئة «تنافسية» ضخّ فيها الرئيسُ «قليلاً من الدراما» من أجل الحصول على نتائج.
نبرة مذكرات بنس تشتد في الفصول الأخيرة. فعقب هزيمة ترامب في عام 2020، ادّعى الرئيس أنه حُرم من الفوز نتيجة التزوير الانتخابي الواسع وضغطَ على نائب الرئيس كي يمتنع عن التصديق على نتائج الانتخابات. لكن بنس رفضَ موضحاً في رسالة بريد إلكتروني إلى أعضاء الكونجرس قبيل اجتماعهم في جلسة مشتركة يوم 6 يناير أنه لا يمتلك السلطةَ للطعن في نتيجة الانتخابات. ليبعث ترامب بعدها بتغريدة على تويتر يقول فيها إن نائب الرئيس «تعوزه الشجاعة من أجل فعل ما ينبغي فعله»، مما دفع الكثير من مقتحِمي «الكابيتول» إلى الهتاف: «اشنقوا مايك بنس!».
بنس نهض بواجبه الدستوري عبر التصديق على الانتخابات. لكن بعض منتقديه يعيبون عليه أنه خلال الأسابيع السابقة على 6 يناير، وبينما كان ترامب يدّعي أن الانتخابات سُرقت منه، لم يخرج لمعارضة ادعاءاته والتبرؤ منها، سواء علانيةً أم سراً، كما توضح مذكراته. وبدلاً من الانتصار للديمقراطية عبر الاعتراف بأن تذكرته خسرت في انتخابات نزيهة ووفقاً للقواعد، أدلى بخطابات ناشد فيها أنصارَه «البقاء في النضال من أجل نزاهة الانتخابات».
محمد وقيف
الكتاب: أُقسم بذلك
المؤلف: مايك بنس
الناشر: سايمون آند شوستر
تاريخ النشر: نوفمبر 2022
عن خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سينديكيشن»