البشر والروبوتات.. معركة الأرباح والأضرار
وصلت روبوتات المستودعات أخيراً إلى مرحلة الترياق الشافي. فقد أصبحت قادرة على التقاط الأشياء وفرزها ببراعة تضاهي براعة أيدي البشر. وتمتلك أمازون أذرعاً آلية يمكنها التقاط وتصنيف المواد الدقيقة قبل تغليفها. ودشنت «فيديكس» نموذجاً تجريبياً لنظام مشابه تستخدمه في بعض المستودعات لفرز البريد مختلف الأحجام. وتحرز شركات أخرى تقدماً أيضاً.
وعلى مدار عقود، أرهق تدريب الروبوت على أن يكون أكثر شبهاً بالبشر المهندسين الذين لم يتمكنوا من جعل الآلات تحاكي قدرة البشر على الإمساك بالأشياء ونقلها. لكن المكاسب التي تحققت الآن في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والكاميرات والهندسة تُؤتي أوكلها، مما يسمح للروبوتات برؤية أشياء مختلفة الأشكال والأحجام وتعديل قبضتها وفقاً لذلك.
ويؤكد علماء في الكمبيوتر أن التكنولوجيا أصبحت أخيراً موثوقة بها، لدرجة أصبحت فيها الشركات ترى جدوى من التوسع فيها. ويرى «كريس هاوزر»، خبير الروبوتات وأستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة إيلينوي أن هذه لحظة تحول أصبحت فيها الروبوتات قادرة على المنافسة. لكن منتقدين يشعرون بالقلق من أن تستحوذ الروبوتات على وظائف البشر، بينما يؤكد مؤيدون أنها ستوفر وظائف مختلفة فحسب.
ويشير آخرون إلى أن التوسع في استخدام الروبوتات قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات إصابة العمال. ومؤسس أمازون جيف بيزوس هو أيضاً مالك صحيفة «واشنطن بوست». وكانت الروبوتات موجودة في الساحة منذ سنوات، لكن كان من الصعب على العلماء حملها على تكرار المهام مثل البشر، خاصة حين يتعلق الأمر بمهارة استخدام البشر لأيديهم.
وتمتلك أمازون روبوتات «كيفا» التي تشبه المكنسة الروبوتية «رومبا» وتنقل الصناديق في أرض المصنع، لكنها ظلت بحاجة إلى بشر لتعبئة المواد وتصنيفها. واشتهر عن إيلون ماسك قوله إنه سيجعل تصنيع سيارات «تسلا» آلياً، لكن ما زال هناك حاجة إلى البشر للقيام بالعمل على خط التجميع في مصنع «فريمونت» التابع للشركة بكاليفورنيا.
وكشف «ماسك» في الآونة الأخيرة النقاب عن روبوت «أوبتيموس» الشبيه بالبشر الذي يستهدف إعادة تشكيل العمل البدني. وكشفت جوجل في الآونة الأخيرة عن روبوتات تعمل بالذكاء الاصطناعي لمساعدة البشر في المهام اليومية. حتى أن هناك بعض الروبوتات تتعلم كيفية إعداد البطاطس المقلية.
ويرى كين جولدبيرج، أستاذ الهندسة الصناعية بجامعة كاليفورنيا، إنه على الرغم من التقدم، كان التحدي الأصعب للباحثين هو تعليم الروبوتات كيفية ضبط قبضتها على أحجام وأشكال مختلفة. وأضاف: إنه في العقد الماضي، بدأت الأمور تتغير وأصبحت تقنية الكاميرا ثلاثية الأبعاد التي تحفزها كاميرات كينكت لشركة مايكروسوفت لاستشعار الحركة أفضل في اكتشاف الصور.
والتعلم العميق وهو مجال من مجالات الذكاء الاصطناعي يستخدم خوارزميات تحاكي بدرجة ما عمل الدماغ، مما يسمح لأجهزة الكمبيوتر بتحليل المزيد من الصور. وبدأ الباحثون يحسنون فهم فيزياء الإمساك بالأشياء ويدمجونها في قدرة الآلات على القيام بهذه المهمة. وأصبحت آلات روبوتية حديثة، نتيجة لهذا، تشبه أذرعاً طويلة غالباً.
ويدعم تصورهم برامج تستخدم خوارزميات التعلم الآلي لتحليل شكل الأشياء لتوجيه الروبوتات حول كيفية الإمساك بها. ويرى خبراء الصناعة أن أمازون على وجه الخصوص تلهث وراء التكنولوجيا. وأمازون من أكبر تجار التجزئة في العالم، وعانت من معدلات عالية في تغير العمالة مع التزامها بوعود بتسليم الطرود بسرعة، وهذا أعطى حجة مالية قوية لمحاولة أتمتة عمليات المستودعات قدر الإمكان.
وفي عام 2012، استحوذت أمازون على شركة الروبوتات المحمولة «كيفا» مقابل 775 مليون دولار نقدا. وفي عام 2014، أعلنت الشركة عن «تحدي الالتقاط»، متحدية العلماء بأن يبتكروا روبوتات يمكنها التقاط مواد متنوعة، تتراوح من أقلام «شاربيز» إلى منتجات «أوريو»، من رف متنقل. والشهر الماضي، كشفت أمازون النقاب عن روبوتها الخاص بالالتقاط والفرز المسمى «سبارو»، وهو ذراع آلية طويلة يمكنها الإمساك بالأشياء قبل تعبئتها في صناديق. وذكر مسؤولون أنه يجري بحثه وتطويره في ماساتشوستس ويعمل في منشأة لأمازون في دالاس.
وذكر مسؤولون من الشركة أن هذه الذراع بوسعها فرز نحو 65 بالمئة من المنتجات الموجودة في مخزونها، لكن خطط التوسع على مستوى البلاد لم يتم وضعها بعد. وذكرت «أمازون» أن الروبوت يلائم استراتيجية للتوسع في استخدام الآلات. وإذا بلغ الإتقان، يستطيع روبوت «سبارو» التقاط المنتجات بعد تفريغها من الشاحنات وقبل تغليفها ووضعها على رفوف متحركة. وبمجرد أن تتم تعبئتها، يستطيع نظام «روبن» الروبوتي لأمازون تصنيفها بحسب وجهتها. وتستطيع آلة «كاردينال» الروبوتية وضعها في عربة، قبل تحميلها على شاحنة.
ودأبت أمازون على قول إن زيادة الآلات تسمح للناس بالعثور على وظائف أفضل. وأوضح كزافييه فان تشاو، المتحدث باسم الشركة، أن الروبوتات «تضطلع ببعض المهام الرتيبة بشدة داخل عملياتنا، مما يتيح لموظفينا الاضطلاع بمهام أخرى أكثر جاذبية». وفي مارس، وقعت شركة البريد العملاقة «بيتني باوز» صفقة بقيمة 23 مليون دولار مع «آمبي روبوتيكس» لاستخدام روبوتات الالتقاط والفرز الخاصة بالشركة للمساعدة في فرز الحزم مختلفة الأشكال والأحجام ومواد التعبئة والتغليف.
وفي أغسطس، وافقت فيديكس على شراء روبوتات المستودعات بقيمة 200 مليون دولار من «بيركشير جراي» للقيام بمهام مماثلة. وقبل بضعة أشهر من ذلك، دشنت روبوتاً لفرز البريد يعمل بالذكاء الاصطناعي في الصين. وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من التكنولوجيا بدأ في الظهور منذ بضع سنوات، واستغرق الأمر بعض الوقت للتأكد من قدرة هذه الأنظمة على تقليص الأخطاء إلى أقل من واحد بالمئة، بحسب قول هاوزر- خبير الروبوتات وأستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة إيلينوي- وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأرباح الشركة.
وذكر «آش شارما»، الخبير في مجال الروبوتات والمخازن في شركة «انترآكت أناليسيس» لأبحاث التسويق أن الإيرادات التي تجنيها الشركات المنتجة لروبوتات الالتقاط والفرز آخذة في الارتفاع. وتقدر شركة الأبحاث أن الشركات المنتجة لهذه الروبوتات ستربح 365 مليون دولار هذا العام، وستزيد الأرباح على 640 مليون دولار العام المقبل. وتظهر توقعات البيانات أن هذه قفزة من 200 مليون دولار العام الماضي و50 مليون دولار في عام 2020 حققتها هذه الشركات في الإيرادات.
وذكر شارما أن عامل التأثير الأكبر يتمثل في نقص العمالة. ومع زيادة الروبوتات في طوابق المستودعات، سيتعين على العمال العمل بجانبها بوتيرة أسرع، مما يعرضهم لمزيد من الإصابات. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن مستودعات أمازون ربما تكون أكثر خطورة من منافسيها.
لكن «فان تشاو»، المتحدث باسم أمازون، يتوقع أن تساعد الآلات العمال وتخفف الضغط عنهم. لكن «بيث جوتيليوس»، أستاذة التنمية الاقتصادية بجامعة إيلينوي، عبرت عن قلقها من الطريقة التي تنشر بها الشركات هذه الروبوتات دون إجراء اختبارات مكثفة أو مراعاة سلامة العمال. ونبهت جوتيليوس إلى ضرورة تدقيق ترويج الشركات لهذه الروبوتات، لأن الشركات تميل إلى تطبيق التكنولوجيا سريعاً وهذا قد ينتهي بالإضرار بالبشر.
* كاتب متخصص في الشؤون العلمية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»