في عقود الازدهار الصيني، لعب الاقتصاد الخليجي دوراً لا تخطئه العين في تحفيز هذا الازدهار، سواء لكونه مصدراً موثوقاً به للطاقة التي يحتاجها الاقتصاد الصيني، أو باعتباره شريكاً تجارياً رئيسياً وسوقاً مستقراً وواسعاً أمام تجارة الصين الخارجية.
وبيانات خريطة التجارة العالمية في السلع توضح هذه الحقيقة بجلاء. ففي العام الماضي 2021، بلغت قيمة التجارة البينية الخليجية - الصينية زهاء 233 مليار دولار، مع بلوغ صادرات الطاقة الخليجية للسوق الصيني نحو 120 مليار دولار، أي بما يزيد على نصف إجمالي تجارتهما البينية.
وانطلاقاً من هذه الروابط التجارية المتينة بين الاقتصادين الخليجي والصيني، وبينما شهدت السنوات القليلة الماضية تطوراً في الأطر المؤسسية التي تجمع وتنسق الجهود فيما بينهما، فإن الزيارة الحالية للرئيس الصيني إلى منطقة الخليج تأتي في وقت يمر به الاقتصاد العالمي بظروف غير مسبوقة، جعلته يعاني أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد.
فسوق الطاقة تتفاقم فيها المشكلات على جانبي العرض والطلب، وقطاع اللوجستيات العالمي مازال يعاني التعثر وارتفاع التكاليف، والتضخم يضرب بعنف تكاليف المعيشة في أسواق العالم كافة. وفي خضم كل هذه الأزمات، يظل لتنسيق الجهود بين الاقتصادين الخليجي والصيني دور مستقبلي ملحوظ في إعادة التوازن المفقود للأسواق الدولية وبما يساعد في التهدئة التدريجية للضغوط التضخمية، ناهيك عن أهميته الواضحة في دعم قوى النمو العالمي وإبعاد الاقتصاد العالمي عن مخاطر التباطؤ والركود.
على أن التفاؤل بأهمية التعاون الاقتصادي الخليجي - الصيني نابع بالأساس من وجود العديد من محفزات الازدهار في علاقاتهما البينية في السنوات القليلة القادمة، فمن ناحية يمكن أن تشكل الاستثمارات الصينية المتدفقة لمنطقة الخليج رافعة مهمة من روافع النمو الاقتصادي المستدام، وخصوصاً أن هذه الاستثمارات أصبحت الآن تتدفق لقطاعات إنتاجية عالية القيمة المضافة، مثل قطاع تصنيع السيارات الكهربائية، ومن ناحية ثانية، فإن السوق الصيني بصدد التحول ليكون مصدراً ملائماً للتكنولوجيا التي تحتاج إليها أنشطة الإنتاج في الاقتصاد الخليجي، ومن ناحية ثالثة، يعتبر سوق رأس المال الصيني وجهة متميزة وعالية الربحية لاستثمارات صناديق الثروة السيادية الخليجية.
زِد على كل ما سبق أن النمو الاقتصادي الصيني بات ضمانة لا غنى عنها لاستقرار سوق الطاقة العالمية، وما انفك يُتخَذ معياراً أساسياً في استشراف الطلب على مصادر الطاقة الأحفورية، أوليس ذلك دليلاً كافياً على أن كل ازدهار يحققه النمو الصيني يعود بالنفع المباشر على الأداء الاقتصادي الخليجي؟
وإذا كانت من توصية اقتصادية يمكن الخروج بها من اللقاءات المكثفة التي انعقدت بين الجانبين الصيني والخليجي، فإن رسم خريطة طريق واضحة المعالم لتوسيع وتعميق الروابط التجارية والاستثمارية، وتوحيد الرؤى في المحافل الإقليمية والدولية، ودعم الجهود التنظيمية لتحقيق الاستقرار والتوازن في سوق النفط العالمية - كل ذلك يمثل في مجموعه أساساً متيناً لاستمرار علاقات خليجية - صينية متوازنة وذات مردود اقتصادي مستدام.
مركز تريندز للبحوث والاستشارات