تداعيات مستقبلية للانتخابات النصفية الأميركية
هل يعتبر ما حدث في الانتخابات النصفية الأميركية انتصاراً ضخماً للرئيس «بايدن» والحزب «الديمقراطي»؟ حيث توقع الحزب نفسه وجميع استطلاعات الرأي العام أنه سيحدث تسونامي يكتسح من خلاله الحزب «الجمهوري» مجلس النواب، والعكس هو ما حدث حيث تفوّق بنسبة ضئيلة جداً ولربما لن تكون كافية لحسم الأمور في صالحه، وفي انتظار حصد نتائج ولاية كاليفورنيا والتي قد تأتي بالجديد وينتصر «الديمقراطيون» بعد ضمانهم الأغلبية في مجلس الشيوخ بفارق صوت بغض النظر عن نتائج ولاية جورجيا، ناهيك عن الانقسام الواضح بين أعضاء وكتل الحزب «الجمهوري».
وبالمقابل ما خسره الحزب «الديمقراطي» في هذه الانتخابات النصفية هو الأقل منذ 40 سنة ولذلك كان الأمر أشبه بالانتصار للحزب، حيث إن الشارع الأميركي وصل لمرحلة غليان من التضخم والغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار في المواد الرئيسية لمعيشة الفرد، وكان هذا التصويت بمثابة تعبير غاضب من الشارع الأميركي، حيث إن مجلس النواب هو المجلس الذي يهتم بالقضايا الداخلية والأقرب إلى ما يخرج من جيب الناخب الأميركي، وأما مجلس «الشيوخ» المتكون من 100 شخص كجهة تشريعية، فهو المجلس الأكثر اتصالاً بالقضايا الخارجية ورسم سياسة أميركا الخارجية.
فشل المرشحون «الجمهوريون» في فرض سيطرتهم على عكس التوقعات، وأخذ بعضهم يردد مزاعم الرئيس السابق «دونالد ترامب» حيال تزوير الإنتخابات، دون أن نتجاهل حدوث أمور مريبة في بعض المقاطعات كمقاطعة «ماريكوبا»، وتحول الإنتخابات إلى مرتع لنظريات المؤامرة اليمينية ليبقى تحدي مجلس النواب، والذي سيؤثر حتماً على الرئيس «جو بايدن» وفرص عودة «الجمهوريين» لشغل الرئاسة وفرص «ترامب» للترشح مجدداً، والاستقرار الداخلي وعدم حدوث ما يحدث في أوروبا الآن، وهو خروج الشارع للاحتجاج على الحكومات وسياساتها، وشل الحياة الاعتيادية والمطالبة بحلول ناجعة ووضع مصلحة دولهم قبل سياسة وتوجهات الحلفاء.
وبدورها تخشى مجتمعات المهاجرين في الولايات المختلفة نتائج الانتخابات النصفية الأميركية وتضييق الخناق عليهم، كما أنه من المتوقع أن يطالب «الجمهوريون» بتخفيضات الإنفاق مقابل زيادة حد الاقتراض العام المقبل، وهو ما يخيف الأسواق المالية المحلية والعالمية، ومن جهة أخرى ستلعب حرب أسعار الطاقة والغذاء في العالم دوراً مهماً في عودة وكالة المخابرات الأميركية المركزية لسابق عهدها في قلب الحدث السياسي وأجندات السياسية الخارجية الأميركية، وقد نسمع عن اغتيالات وانقلابات في العالم وتوترات عسكرية، وازدياد وتيرة هجمات الميليشيات المذهبية في العالم لممارسة الضغوط على بعض الدول، ومن المتوقع أن يرتفع مؤشر الجاهزية لمواجهة الأعمال التخريبية والضربات المختارة لمنظومة الطاقة في بعض الدول المهمة في العالم، وفي المقابل استغلال روسيا والصين لتداعيات الموقف.
كما تشير الدلائل في مجلس الشيوخ إلى أن الرئيس «بايدن» منح قبلة الحياة لترشيح من ينتمون لدوائر «الديمقراطيين» للمناصب القضائية والإدارية، وارتفاع موجة موافقة الناخبين في العديد من الولايات على تعديلات جوهرية في القوانين والتشريعات في ولاياتهم، كتقنين تمكين البالغين من تلقي الأدوية المخدرة في المراكز المرخصّة، وحقوق الإجهاض والتصويت ضد أي إجراء كان من شأنه استبعاد حقوق الإجهاض من دستور بعض الولايات، وبعض الأمور التي يعتقد بأنها لم تعد قضية كحظر الناخبون العبودية في 5 ولايات هي ألاباما ولويزيانا وأوريغون وتينيسي وفيرمونت، وإنهاء العبودية بشكل صريح، والمتمثل في إجبار نزلاء السجون على العمل كعقوبة على ارتكاب جرائم.
وأسئلة أخرى عفى عليها الزمن تعكس انقسامات المجتمع الأميركي ومصير أميركا كدولة موحّدة. كما أن ما يحدث في الانتخابات الأميركية كان له دور مباشر في ما يحدث مؤخراً في الحرب الروسية الأوكرانية، والصفقة الكبرى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ناهيك عن كيف ستكون سياسة «بايدن» في الشرق الأوسط، وتوجيه سوط الهيمنة الأميركي على بعض الحكومات العربية، ووضعها تحت ضغوط متفرقة لترضخ للنسر الأميركي، وستعود سياسية «فرّق تسد» بقوة للمنطقة ولكن هذه المرة بالنكهة الأميركية الخالصة.
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات