العلاقات الإماراتية الأميركية الاستراتيجية
إحياء وتمتين وتمكين العلاقات الاستراتيجية الدولية، لم يعد مجرد حلم تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تنفيذه، بل أصبحت منظومة من خطط وبرامج عمل متماسكة ومتقدمة بدأت دولة الإمارات بتنفيذها على نطاق واسع، ليشمل دول العالم أجمع دون استثناء، وعلى رأسها العلاقات الدولية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، وجميع القوى الدولية الكبرى في الشرق والغرب، وفي آسيا وأفريقيا ودول أميركا اللاتينية، إضافة إلى القوى الإقليمية في الشرق الأوسط.
التعاون السياسي والاقتصادي والعلمي الاستراتيجي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وأميركا لا يمر، حسب ما يرى البعض، بمنعطفات حادة بدأت منذ ما يُعرف بـ«الربيع العربي»، وخلال إدارة الرئيس الأميركي «الديمقراطي» باراك أوباما، في العامين 2011- 2013، فهذا التعاون قائم في الأساس على منظومة راسخة من العلاقات الاستراتيجية المتينة التي بدأت في اليوم الأول الذي اعترفت فيه الولايات المتحدة بدولة الإمارات فور إنشائها وتأسيسها في العام 1971، فبادرت الولايات المتحدة الاعتراف بالدولة الناشئة في حينه، وأرسلت سفيرها المفوض فوق العادة ويليام ستولتزفوس إلى أبوظبي، ومنذ ذلك الحين، تحرص الدولتان إلى إضافة لبنات جديدة قوية إلى الأساس الصلب الذي تم إنشاؤه، ولا تدعان المنعطفات والتقلبات الطارئة، التي تحدث حول العالم، تؤثر في جوهر تلك العلاقات الراسخة.
وخلافاً لما يجري تداوله أحياناً، أن العلاقات الإماراتية القوية والممتدة مع كل من الصين وروسيا، تؤثر بشدة في العلاقات الإماراتية الأميركية، لدرجة أن الأميركان يحاولون الضغط على دولة الإمارات لتتجه نحو واشنطن سواء في المجالات التقنية أو الطاقة أو في مجالات التعاون العسكري، فإن الحقيقة أن دولة الإمارات، تتحرك سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وبشكل دائم ولافت، لتحافظ على توازن علاقاتها الاستراتيجية مع الجميع، دون استثناء، ومهما بدت درجة التنافر بين الأطراف المختلفين كأميركا وروسيا أو أميركا والصين وغيرها، خلال مراحل معينة، فالإمارات تدرك جيداً أن أي خلاف أو اختلاف حالي، بين هذه الأطراف، هو نوع من المتغيرات التي يجب أن لا تدفعها بحال إلى تبديل أو تغيير سياساتها الاستراتيجية، بل تتحرك لتكون أكثر فاعلية، وتعرض الاقتراب على أساس الوساطة بين هذه القوى الدولية المتصارعة لتهدئة النزاع وتقريب وجهات النظر بينها.
إضافة إلى ذلك، فإن المصالح الإماراتية الاستراتيجية تأتي دائماً في رأس أولويات الأجندة السياسية والاقتصادية في الدولة، والذي يحافظ أيضاً بشكل كبير على الاجتهاد والاستمرار بإبقاء حالة التوازن القصوى مع دول العالم، والتي لا تسمح بالانجرار أو الانحياز لأطراف معينة على حساب أطراف آخرين، فيعمل الفريق السياسي والدبلوماسي، حسب ما نشاهد ونتابع، على مدار الساعة، لإبقاء وتفعيل نظم التوازن السياسية والاقتصادية الدافعة إلى المزيد من التطوير في العلاقات وتحسينها، ويعمل الفريق المؤهل في كافة الاتجاهات، بحرص وذكاء وانفتاح، مع رؤية واستشراف للمستقبل البعيد.
المحركات التي تعمل بها الطاقة السياسية والدبلوماسية لدولة الإمارات العربية المتحدة ليست فقط بسبب مصالحها الإستراتيجية العليا، بل هناك أسباب أخرى وأهداف كبرى راسخة في أجندة دولة الإمارات العربية المتحدة ومنها الإصرار والثبات على إرساء السلام العالمي، وبث روح الأخوة الإنسانية ومحاربة العنف والتطرف والإرهاب الدولي، وهذه ليست مجرد شعارات، بل خطط وبرامج عمل، انطلقت وأصبحت تصيب أهدافها، وكذلك الرؤية الإماراتية المهمة والنافذة لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وهي تحديات كثيرة وكبيرة جعلت دولة الإمارات العربية المتحدة منفتحة لتنفيذ الأفكار والمبادرات المختلفة التي تؤدي إلى إرساء السلام في منطقة الشرق الأوسط.
تدرك الولايات المتحدة أهمية تعزيز علاقات التعاون المشترك مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس في مجال الطاقة النظيفة فقط، بل في مختلف المجالات وتعزيزها بما يحقق تطلعات قيادتي البلدين الصديقين وشعبيهما وفق أسس راسخة من الاحترام المتبادل والثقة والمصالح المشتركة، لذلك فإن المباحثات الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله ورعاه، مع الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال الاتصال المرئي، هذا الأسبوع، لم تركز فقط على مشاريع الطاقة النظيفة وأمن الطاقة العالمي، بل بحثت أيضاً علاقات الصداقة التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، وكذلك تعزيز الأهداف المناخية المشتركة ومواجهة التحديات العالمية وأهمية التنسيق والتعاون الدائمين لبلورة مواقف ورؤى مشتركة بين الدولتين الشريكتين والصديقتين.
* لواء ركن طيار متقاعد