الإمارات ومصر.. قلب واحد
لا تخلو منطقة في العالم من علاقات طيبة ومثمرة بين دولتين أو أكثر فيها. لكن أياً منها لا يرقى إلى مستوى العلاقات الإماراتية المصرية، التي تُعد الأكثر استقراراً ونمواً على المستويين الرسمي والشعبي معاً. لم تشبها شائبةٌ واحدةٌ، ليس منذ تبادل التمثيل الدبلوماسي قبل نصف قرن، بل قبل ذلك أيضاً. كانت العلاقات المصرية مع دولة الإمارات، التي حقَّقت التجربة العربية الناجحة الوحيدة في مجال الاتحاد والوحدة، طيبةً وأخويةً قبل إعلان تأسيس الاتحاد عام 1971.
وكانت العلاقات المصرية مع أبوظبي بالتحديد وثيقة للغاية. ولقيت جهودُ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لإقامة هذا الاتحاد مساندةً قويةً من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مثلما تلقَّت مصرُ وشعبُها دعماً كبيراً من أبوظبي وشقيقاتها في الفترة الصعبة التي أعقبت حرب يونيو 1967.
وارتبط استقرار العلاقات الطيبة بين الدولتين بعد ذلك بتوافقهما الكامل على العمل من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة العربية، والتي شهدت اضطرابات متوالية. فكان الاستثمار في الاستقرار، وما زال، أحدَ أهم مقومات استقرار العلاقات الإماراتية المصرية ونموها.
ولا يعني هذا الاستقرار الثبات أو البقاء عند نقطة معينة، فهو استقرار في نمط العلاقات، وليس في حالتها التي تميزت بحركية (ديناميكية) مستمرة، وتطورت أفقياً ورأسياً، عبر تعميق التعاون في المجالات التي يحدث فيها، وتوسيع نطاقه ليشمل قطاعات أخرى جديدة طول الوقت. وليس امتداد هذا التعاون أخيراً إلى مجال علوم الفضاء الذي حققت دولة الإمارات إنجازات مهمة فيه إلا مثالاً على التجدّد المستمر في العلاقات المستقرة بين البلدين.
وبخلاف ما تصوره البعض، استمرت هذه العلاقات وتنامت بعد رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، الذي كان أكثر الزعماء العرب في زمنه اقتناعاً بأهمية دور مصر للعرب جميعاً، وأول زعيم عربي يُطلق اسمه على مدينة مصرية كاملة عام 1976. وهكذا حافظت العلاقات الإماراتية المصرية على استقرارها، وتنامت وتوسعت، وها هي تبدو اليوم أقوى من أي وقت مضى، فأصبح تعبير «قلب واحد» الذي استُخدم عنواناً للاحتفالية الكبرى التي أُقيمت في القاهرة نهاية الأسبوع الماضي تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، بالغ الدلالة على المدى الذي بلغته، والآفاق المفتوحة أمامها في الفترة المقبلة.
وكانت فعاليات هذه الاحتفالية الغنية شاهدةً على عملية تاريخية تَشكَّل خلالها نموذجٌ للعلاقات بين الدول، على نحو يمكن أن يجعلها موضع دراسة في حقل العلاقات الإقليمية والدولية لتميزه وندرته.
ورغم أن هذه الاحتفالية لم تتسع لعرض ومناقشة كل جوانب العلاقات، التي تحتاج إلى أيام طويلة لسبر أغوارها، فقد ألقت ضوءاً كافياً على مقومات تميزها في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والثقافية والإعلامية والرياضية، والمستقبل الواعد الذي ينتظرها، على نحو يجوز القول معه إننا إزاء نموذج لقلب واحد وروح واحدة أيضاً.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية