الحرب العالمية الرابعة
في ربيع عام 1964 ألقى المؤرخ والفيلسوف البريطاني الكبير أرنولد توينبي محاضرةً في جامعة الإسكندرية، وفي حديثه عن الحرب والسلام قال: «حين نبحث في مستقبل الإنسانية فإنّنا نفترض أن السلام سيكون قائماً، إذْ أن قيام حرب عالمية أخرى سوف يعني عدم وجود مستقبل للبشرية، وبالتالي فلا مجال لأنْ نتصور وجودَ حرب أخرى بعد الحرب العالمية الثالثة».
كان توينبي على صواب تام، فكل رؤى 2030 و2050، وحتى 2100 هي كلها رؤى تقوم على افتراض وجود السلام العالمي، وعدم اندلاع أيّة حرب نووية تنهي الحضارةَ الحديثة وتعيد العالَم إلى حقبة ما قبل التاريخ.
وحين سئل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل سنوات عن رؤيته لاحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة قال: «لا أعرف ما هي الأسلحة التي يمكن استخدامها في الحرب العالمية الثالثة، لكن في الحرب العالمية الرابعة سوف نستخدم الحجارة والعصي».. ثم أكمل بوتين: الحرب العالمية الثالثة تضع نهايةً لحضارتنا كما نراها اليوم.
وللكونت دي مانشيز ودانيرا أندليمان كتاب بعنوان «الحرب العالمية الرابعة»، وللباحث الفرنسي الشهير باسكال بونيفاس كتاب بالاسم نفسه. ويأخذ بونيفاس من باحثين أميركيين اعتبار أن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة هي الحرب العالمية الثالثة، أمّا الحرب على الإرهاب فهي الحرب العالمية الرابعة.
وفي تقديري.. لا يمكن اعتبار الحرب الباردة أو الحرب على الإرهاب حرباً عالميةً إلا بالمعنى المجازي، ذلك أن الحرب العالمية التي يتخوف العالَمُ من الانجراف باتجاهها.. هي حرب ساخنة بين جيوش نظامية كبرى، تستخدم فيها الأسلحة النووية.
في موسكو وواشنطن وعواصم أوروبا يتحدثون كل يوم عن احتمالات الحرب النووية، على نحو غير مسبوق منذ عقود طويلة، وحسب الرئيس الأميركي جو بايدن فإن العالَم يواجه التهديد بحرب نووية لأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
في عام 2022 تكون قد مرت (60) عاماً على أزمة الصواريخ الكوبية، والتي حبست أنفاسَ العالَم (13) يوماً كاملة. في عام 1962 استطاع الرئيس الأميركي جون كينيدي والزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف إدارة حافة الهاوية وإنقاذ بلديْهما والعالَم، واليوم يتطلع أنصار السلام العالمي إلى الرئيسيْن بوتين وبايدن.. وما يمكن أن يسفر عنه العامان القادمان.
كان العالَم قد بدأ الابتعادَ كثيراً عن شبح الحرب النووية، وكانت معاهدات الحدّ من الأسلحة النووية قد نجحت في تحقيق إنجازات كبرى، فقد انخفض عدد الرؤوس النووية في العالم من (70) ألف رأس نووي في عام 1960، إلى (14) ألف رأس نووي حالياً، لكن ذلك الإنجاز يتآكل اليوم.
لقد مضت ثمانون عاماً من عُمر السلاح النووي لم يكن الخطر خلالها محدِقاً كما هو اليوم. تمتلك روسيا (6,000) رأس نووي، منها (1,500) رأس أحيلت للتقاعد بانتظار التفكيك، لكن (1,500) رأس نووي، من بين الـ(4,500) رأس المتبقية، جاهزة للعمل. وبالمقابل فإن لدى حلف «الناتو» (6,000) رأس نووي.
ضغطة زر واحدة وينتهي كل شيء، وقتَها لن يكون على قيد الحياة أولئك المؤرخون الذين سيشرحون لمن تبقّى من البشر: ماذا حدث؟.. ولا لماذا حدث؟ ولا كيف حدث؟.. في عالَم يمكنه تدمير نفسه عدة مرات.. الحكمة حياة.
*كاتب مصري