هل نحن رهائن العالم الافتراضي وأدواته؟
مرة أخرى تتفاجأ القبيلة «الفيسبوكية» الزرقاء بقرارات زعيمها مارك زوكربيرغ، إنها قرارات منفردة من طرفه وحده هو وطاقمه فيتم شطب متابعين وأصدقاء من الصفحات الشخصية بدون معرفة صاحب الصفحة.
اعتدنا على مواسم التغييرات في «فيسبوك»، وقد أصبح جزءاً من حياتنا مع باقي وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك من ينتمي للتويتريين، ومؤخرا بدأت قبيلة «الإنستغراميين» بالنمو وطبعا لا ننسى «التكتوكيين» من الشباب المتمرد، والسنابيين الذين يتحركون بلا ضجيج.
في عالم «فيسبوك» ويبدو أنه الأكبر حجماً ومساحة في فضاء افتراضي لا حدود له، فإن أول حركة تقوم بها حين تدخل صفحتك على موقع فيسبوك، هي ببساطة، تعبئة اسمك كمستخدم، لتتبعها بكلمة السر، فتدخل صفحتك كمستخدم من بين ملايين المستخدمين لأكبر أداة تواصل اجتماعي في عالم الفضاء الإلكتروني.
هكذا يفترض على الأقل، أعني افتراض أنك مستخدم للموقع، ومشترك فيه للاستفادة من أدوات التواصل المعلوماتية فيه بشتى مستوياتها!.. لكن هل مستخدمو موقع فيسبوك هم فعلاً بنظر الموقع وأصحابه مستخدمون له؟.
منذ سنوات طويلة وهناك ضجة تثور حول الموقع الأكثر شهرة في العالم، والضجة محورها لوائح الخصوصية للمستخدمين، وهي بروتوكولات صارت دارجة في عالم الإنترنت ومواقعه المليونية، خصوصاً حين غيرت فيسبوك أكثر من مرة إعدادات الموقع المتعلقة بمعلومات مستخدميها من دون الإشارة إلى هذا التغيير، وبعد كل ضجة، وبكل برود يخرج الفتى مؤسس الموقع مارك زوكربيرغ أو أحد مساعديه باعتذار خجول مشفوع بمبررات غير منطقية حول تلك التغييرات الجوهرية.
لوائح الخصوصية تلك، تشبه تلك الديباجة المطبوعة على عقود البنوك التجارية، مكتوبة بخط صغير بالكاد يمكن قراءته، ومليء بالمصطلحات التي تثير الحيرة وتصيبك بالدوار فتوقعها هربا من مأزق التورط غرقا فيها.
ببساطة، وللتوضيح، فأنت كمستخدم للموقع، لك حرية الخيارات في الإعدادات أن تخفي ما تريد من معلومات شخصية تتعلق بك، وتحددها كيفما تريد، لأنها معلوماتك الشخصية، وهذا كان أساس الإقبال على موقع فيسبوك عند إنشائه عام 2004.
الموقع، وبعد أن أصبح شركة قيمتها ببلايين الدولارات، ولها تحالفاتها المؤسسية مع شركات كبيرة في السوق الرأسمالي، تحول من أداة تواصل اجتماعي يقدم خدمة لمستخدميه، إلى ماكينة افتراضية ضخمة تبتلع ببشاعة من كانوا مستخدميها، ليتحول هؤلاء أنفسهم إلى منتجات وسلع قابلة للبيع والشراء والمقايضة، وذلك من خلال تغيير إعدادات الخصوصية من دون علم ملايين المستخدمين، لتصبح معلوماتهم مستباحة في سوق واسع ومتعدد الأغراض، وكلما غيّرت إعداداتك الشخصية حسب خيارك، تكتشف أن إدارة الموقع تعود لاستباحتها مرة أخرى.
راقب بريدك الإلكتروني المخصص للموقع، وستكتشف كمية هائلة من الدعايات والإعلانات المرسلة إليك من شركات كبيرة وضخمة، تخاطبك كأنها تعرفك عن قرب ومطلعة عن هواياتك ورغباتك وميولك، بل وتعرف الكثير الكثير مما يثير دهشتك.
لم يعد لفيسبوك مستخدمون، بل منتجات بشرية وسلع آدمية تغذي رصيد مجلس إدارته، وكثيراً ما قررت أن أعيد لنفسي إنسانيتها وأسحبها عن رف البيع والشراء في سوق لا يعرف الرحمة، ولا أزال أقرر.
* كاتب أردني مقيم في بلجيكا