حرب أوكرانيا.. كيف أثَّرت؟
كيف أثّرت الحرب في أوكرانيا على عامة الشعب الروسي؟ هناك عقوبات وقيود خارجية، لكن في موسكو يجادل البعض بأنهم لا يشعرون بأي أثر للحرب. وتقول ناتاليا نيكونوفا (44 عاماً) لمراسل صحيفة «نيويورك تايمز» على هامش عرض عسكري أخير في الميدان الأحمر: «لم يتغير أي شيء. بالتأكيد، ارتفعت الأسعار، لكن يمكننا تحمل ذلك». وقالت يوليا (18 عاماً): «أغلقت بعض المتاجر أبوابَها بسبب العقوبات، وهو أمر محبط، لكنه ليس بهذا السوء»، مشيرةً إلى متجر قريب كان معروفاً في السابق ببضائعه الفاخرة. حتى أن بعض المتسوقين وجدوا وسائل للالتفاف على العقوبات من خلال زيارة الجارة المتحالفة مع موسكو، وهي بيلاروسيا التي لديها قيود أقل. وقالت يلينا شيتيكوفا، المديرة التنفيذية في وكالة فاميلي ترافيل بمنطقة أرخانجيلسك، لصحيفة «موسكو تايمز»: «العلامات التجارية مثل إتش& إم وبيرشكا وبول& بير.. لم تعد موجودةً في روسيا، لكن -لأننا نسافر إلى بيلاروسيا- يمكننا أن نرتديها من الرأس إلى أخمص القدمين».
ويبدو أنه حتى رجال الأعمال الروس الأثرياء قد بدأوا يتقبلون الوضع. وكتبت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، بعد لقاءات مع سبعة أباطرة روس خاضعين للعقوبات: «العديد من الأوليجارشية الذين كانوا ذات يوم يستمتعون بقضاء الوقت في الغرب راضون الآن بالعودة إلى روسيا. وأولئك الموجودون في موسكو قبلوا بهدوء وضعهم الجديد في ظل الحرب».
وبالنسبة لمنتقدي الحرب التي بدأت في 24 فبراير الماضي، قد تكون المشاهد السعيدة في شوارع موسكو مثيرةً للقلق. لا يوجد دليل واضح على أن العقوبات تقوّض العزيمة الروسية، خاصة وأن الدول الغربية تواجه صعوبات على المستوى المحلي مع ارتفاع أسعار الطاقة.
لكن المواقف الروسية من الحرب في أوكرانيا لا تكاد تبدو متطابقة. يبلغ عدد سكان هذه الدولة 144 مليون نسمة، ينتشرون على مساحة 6.6 مليون ميل مربع و11 منطقة زمنية، وسكانها متباعدون مثل التباعد بين النخبة في سانت بطرسبرج والسكان القرويين الأصليين في أقصى شرق البلاد.. إذ أن هناك تنوعاً في كل شيء، بما في ذلك الرأي.
وقد أظهر الاستطلاع الذي أصدرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، الأسبوع الماضي، أن «الدعم العام للحرب في أوكرانيا، على الرغم من ارتفاعه الصاروخي، أقل صلابةً مما توحي به الإحصاءات بشكل عام.. وقد انخفض في الأشهر الأخيرة مع قول بعض المؤيدين إنهم مترددون أو قلقون أو خائفون من الحملة العسكرية الجارية»، بحسب ما أوضح روبين ديكسون، من صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي.
في تحليل صدر مع نتائج الاستطلاع، كتب أندريه كوليسنيكوف (من مؤسسة كارنيجي) ودينيس فولكوف (مدير مركز ليفادا لاستطلاعات الرأي المستقلة ومقره موسكو) أن «الحرب أحدثت بعض الانقسامات حول مجموعة متنوعة من القضايا».
ومن المؤكد أن مستويات الدعم للحرب التي ظهرت في استطلاعات الرأي تشير إلى أن الأغلبية الواضحة تقول إنها تؤيدها: قال حوالي 75% من الروس إنهم يدعمون بشكل مؤكد أو في الغالب أعمال الجيش الروسي في أوكرانيا، بينما قال 20% إنهم لا يدعمونها. حتى هذه الأعداد الكبيرة تمثل انخفاضاً عن استطلاعات مارس عندما أيد 81% الحرب وعارضها 14% فقط.
لكن من الصعب إجراء اقتراع موثوق به، حيث يمكن أن تكون المعارضة محفوفةً بالمخاطر وتكون البيئة الإعلامية مصممة بعناية لتقييد النقاش. لقد واجهت ليفادا، التي أجرت الاستطلاع نيابة عن مؤسسة كارنيجي، قيوداً لسنوات من عمرها.
وغالباً ما يجد الخبراء الذين يدرسون شخصيات شهيرة وذات شعبية، أن هذه الشعبية يمكن أن تتبخر بسرعة عندما تستجد ظروف طارئة. كتب فريق من الباحثين في أبريل: «يمكن أن تكون هذه التصورات المرحلية عن الشعبية هشة. وعندما ينهار الإجماع الاجتماعي، يمكن أن يتحلل الإجماع بسرعة كبيرة، كما حدث عندما انهار الاتحاد السوفييتي فجأة في عام 1989».
في الوقت الحالي قد يكون الوضع الطبيعي النسبي في شوارع موسكو أمراً جيداً. ففي وقت مبكر من الحرب، قال الاقتصاديون لصحيفة «واشنطن بوست» إنهم قلقون بشأن الآثار غير المباشرة للأثر المالي الذي لحق بروسيا، خاصة إذا أصاب الروس العاديين الذين لا يملكون سوى القليل من القوة للتأثير على التوجهات العامة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»