الجفاف.. وارتفاع أسعار المواد الغذائية
يؤدي الجفاف إلى تقلص المحاصيل التي تتم زراعتها في الحزام الزراعي الأميركي إلى حوض نهر اليانجتسي في الصين، مما يزيد المخاوف من الجوع العالمي ويؤثر على توقعات التضخم. انطلق التحذير الأخير من الغرب الأوسط الأميركي، حيث تعاني بعض سيقان الذرة من الجفاف الشديد مما يجعلها غير قادرة على إنتاج قوالح الذرة، كما أن حبوب فول الصويا أقل وأصغر من المعتاد. ساعد التقرير القاتم الذي نشرته مجلة «برو فارمر كروب تور» في رفع أسعار الحبوب إلى أعلى مستوى منذ يونيو.
العالم في حاجة ماسة إلى إعادة تعبئة احتياطيات الحبوب التي تقلصت بسبب الاضطرابات التجارية في بحر البلطيق والطقس غير المواتي في بعض أكبر مناطق النمو. لكن جولة صناعية في الحقول الأميركية خلال الأسبوع الماضي أذهلت المشاركين في السوق - الذين كانوا أكثر تفاؤلاً – من خلال تقارير عن حدوث أضرار جسيمة للمحاصيل بسبب الحرارة الشديدة ونقص المياه.
وفي الوقت نفسه، يتسبب الجفاف في خسائر في أوروبا والصين والهند، في حين يصعب التنبؤ بآفاق الصادرات من أوكرانيا، وهي مصدر رئيسي لشحنات الذرة والزيوت النباتية، وسط الغزو الروسي.
قال جو جلوبر، كبير الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأميركية والذي يعمل الآن كزميل بارز في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية بواشنطن: «حتى قبل الأخبار التي وردت هذا الأسبوع من مجلة «كروب تور» فإنني أشعر بالقلق من أننا لن نتمكن من جمع مخزون حتى عام 2023». وأضاف: «فتح موانئ أوكرانيا علامة مرحب بها، لكن الأحجام لا تزال أقل بكثير من المستويات العادية».
يراقب التجار دائماً تنبؤات الطقس عن كثب، ولكن تم تكثيف الرقابة هذا العام - كل بوشل (مكيال) يهم. وبينما تراجعت أسعار الذرة والقمح وفول الصويا مقارنة بالمستويات القياسية أو القريبة من القياسية التي شوهدت في وقت سابق من هذا العام، لا تزال العقود الآجلة شديدة التقلب. قد تؤدي مفاجآت الطقس السيئ من الآن وحتى انتهاء موسم الحصاد إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى.
يتم تداول مؤشر الحبوب وفول الصويا بما يقرب من 40% زيادة على المتوسط المسجل في خمس سنوات، وكان الارتفاع في أسعار المحاصيل عنصراً رئيسياً في التضخم العالمي. بالفعل، ساعد نقص الغذاء في سقوط حكومة سريلانكا في وقت سابق من هذا العام عندما نفدت العملة الصعبة اللازمة لدفع ثمن الواردات.
وفي الولايات المتحدة، تعد الذرة هي المحصول الأكثر انتشاراً، وسيكون للمحصول الضعيف آثار متتالية عبر سلسلة الإمداد الغذائي العالمية، مما يزيد الضغط على أميركا الجنوبية لإنتاج محاصيل وفيرة في أوائل العام المقبل. هذا هو الحال بشكل خاص إذا اضطرت الصين، التي تعاني من أسوأ جفاف منذ أوائل الستينيات، إلى استيراد المزيد من الحبوب لإطعام قطعان الماشية الضخمة ودعم المخزونات المحلية.
يقدر المسؤولون الآن أن الإنتاج الأميركي سيكون أقل بنسبة 4% من توقعات الحكومة الرسمية، وذلك بسبب النقص الناجم عن الجفاف في محصول القمح الشتوي الأميركي وكذلك فول الصويا في البرازيل، أكبر منتج لهذا المحصول.
تثير التوقعات الزراعية العالمية حتى عام 2023 قلق مراقبي السوق. لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً، يواجه العالم عاماً نادراً ثالثاً على التوالي، نتيجة لظاهرة لا نينا (تغير دوري غير منتظم في الرياح ودرجات الحرارة في المحيط الهادئ الاستوائي الشرقي، مؤثراً على المناخ في الكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.)، عندما يبرد المحيط الهادئ الاستوائي، مما يتسبب في رد فعل من الغلاف الجوي فوقه. قد يكون لهذا عواقب وخيمة على الجفاف في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكذلك الجفاف عبر مناطق المحاصيل الحيوية في البرازيل والأرجنتين.
وبينما يصعب ربط الطقس في أي عام بأنماط مناخية طويلة الأجل، يحذر المحللون من أن الاحتباس الحراري سيكون عبئاً متزايداً على الإنتاج الزراعي في السنوات القادمة.
في الوقت الحالي، تمر أوروبا بمرحلة من العوز نتيجة جفاف يبدو أنه الأسوأ منذ 500 عام على الأقل، وفقاً لتحليل أولي أجراه خبراء من مركز الأبحاث المشتركة التابع للاتحاد الأوروبي. وتتعرض العديد من محاصيل الاتحاد الأوروبي لضرر شديد بشكل خاص، مع توقعات تراجع محصول الذرة بنسبة 15% أقل مقارنة بالمتوسط المسجل في خمس سنوات، وفقاً لأحدث البيانات.
قال عبد الرضا عباسيان، محلل سوق المواد الغذائية والخبير الاقتصادي السابق في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو): «مع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة على الأقل خلال الشتاء القادم، فإن أي نقص كبير في إمدادات الذرة سيكون له تأثير مدمر على قطاعي الغذاء والأعلاف».
في الصين، ضرب الجفاف التاريخي مناطق على طول نهر اليانجتسي وحوض سيتشوان، مما أضر بمحاصيل الأرز، المصدر الرئيسي للحبوب الغذائية في البلاد.
كما تقلصت زراعة الأرز في الهند بنسبة 8% هذا الموسم بسبب قلة هطول الأمطار في بعض المناطق. وتناقش الحكومة فرض قيود على صادرات ما يسمى بالأرز المكسور (أجزاء من حبات الأرز، مكسورة في الحقل، أثناء التجفيف، أثناء النقل، أو أثناء الطحن تُستخدم الفواصل الميكانيكية لفصل الحبوب الكاملة عن الحبوب الكاملة وفرزها حسب الحجم.)، والذي يستخدم بشكل رئيسي في علف الحيوانات أو لإنتاج الإيثانول في الهند. ومن بين كبار المشترين لهذه النوعية الصين، إذ تستخدمها في الغالب لتغذية مواشيها، وبعض الدول الأفريقية التي تستورد الحبوب كغذاء. تمثل الهند حوالي 40% من تجارة الأرز العالمية وهي أكبر شاحن في العالم.
في الولايات المتحدة، يحدق راندي هولز، من مزارعي نبراسكا، وأحد المشاركين في «كروب تور»، في محصول الذرة الضئيل لهذا العام بسبب قلة الأمطار. وعلى المدى الطويل، يشعر بالقلق من تأثير تغير أنماط الطقس على المزرعة التي يتركها وراءه. وقال هولز (71 عاماً) الذي يزرع الذرة وفول الصويا والقمح ويربي الخنازير في جنوب نبراسكا: «إنهم يتوقعون أن يتحرك حزام الذرة شمالاً. يمكن أن يصبح الطقس أكثر جفافاً وهذا هو الشيء الذي يتحدثون عنه بشأن تغير المناخ».
كيم تشيبمان وتارسا فيلوسو
صحفيان لدى بلومبيرج متخصصان في أخبار الأسواق
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»