خفض التضخم واحتمالات الركود
منذ وقت ليس ببعيد، توقع كثير من الناس صيفاً طويلاً حاراً من التضخم. ولدهشتهم - أو لفزعهم، بالنسبة لبعض «الجمهوريين»- لم يحدث ذلك. فقد ظلت أسعار المستهلكين إجمالاً ثابتة في يوليو، وتشير التقديرات الآنية - استناداً إلى البيانات الأولية - إلى أن التضخم سيظل منخفضاً في أغسطس. لكني لا أعرف أي اقتصادي يعتقد أن التضخم قد تم التغلب عليه. والكثير من الأخبار الجيدة الأخيرة هي نتيجة لانخفاض أسعار البنزين وهذا الانخفاض لن يستمر. صحيح أننا سنحصل على الأرجح على جولة أخرى من الأخبار السارة من انخفاض أسعار المواد الغذائية، فقد انخفض مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار المواد الغذائية العالمية في تموز، ومن المحتمل أن يظهر التأثير على أرفف المتاجر في غضون بضعة أشهر.
والواقع أن لحم البقر أصبح أرخص بالفعل. ومع ذلك، تعلم الاحتياطي الاتحادي من خبرته الطويلة ألا يدع السياسة تسيطر عليها تحركات الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة، ومازال التضخم الأساسي مرتفعاً. ولذا، لن يحول الاحتياطي الاتحادي انتباهه لهذا على الأرجح، بل سيواصل رفع أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى بعض الارتفاع في البطالة وربما الركود، على الأقل. وباتباع هذه الإستراتيجية، يتبع الاحتياطي الاتحادي النهج التقليدي في السياسة. لكن هل هناك استراتيجيات أخرى أقل تقليدية وأقل إيلاماً يمكننا اتباعها؟ وأود أن أصدق أنه يوجد مثل هذه الاستراتيجيات، وأنها تجدي نفعاً أحياناً. لكن لسوء الحظ، لا أستطيع أن أرى أنها تجدي نفعاً في ظل الظروف الحالية للولايات المتحدة.
وماذا أعني بالسياسة الأقل تقليدية؟ بشكل عام، هناك طريقتان لخفض التضخم دون تعريض الاقتصاد لضغط مؤلم. الأولى اعتدنا أن نسميها سياسة الدخل، أي التدخل الحكومي المباشر، سواء من خلال الضوابط أو الإقناع الأخلاقي للحد من ارتفاع الأسعار. والآخر هو سياسة إبقاء الأسعار منخفضة عن طريق زيادة العرض. هل أجدت سياسات الدخل من قبل؟ نعم أجدت، والمثال الكلاسيكي هو إسرائيل في الثمانينيات. فقد كانت إسرائيل تعاني من تضخم مرتفع للغاية ثم خفضت التضخم بشكل كبير. وتحقق هذا الإنجاز إلى حد كبير من خلال حزمة تضمنت تجميداً مؤقتاً للأجور وسقوفاً للأسعار. وتمكنت إسرائيل من التخلص من التضخم دون أن تعاني من ركود حاد.
لكن لا شيء من هذا القبيل يبدو ممكناً في أميركا الحديثة. وأحد الأسباب أن إسرائيل كانت في ثمانينيات القرن الماضي هي المكان الذي يمكن أن تجمع فيه معظم اللاعبين الاقتصاديين الرئيسيين معاً في غرفة واحدة، واتحاد العمال «هستدروت» كان يمثل نحو 80% من القوة العاملة. كما أن التضخم في إسرائيل، بخلاف ذلك، ربما كان يعكس إلى حد كبير في الثمانينيات توقعات التضخم التي تتحقق ذاتياً. فحين تكون هذه المشكلة، يكون هناك مبرر قوي لاستراحة لكسر الحلقة. لكن هذا ليس ما يحدث في الولايات المتحدة الآن، فقد ظلت توقعات التضخم على المدى الطويل منخفضة بشكل ملحوظ. إذن ما هي مشكلتنا؟ ربما تكون هذه مجرد حالة كلاسيكية لكثير من المال يطارد عدداً قليلاً جداً من السلع، مما يؤدي إلى اقتصاد شديد السخونة، واقتصاد فيه وظائف شاغرة أكثر بكثير من الأشخاص الباحثين عن عمل.
ومن شبه المؤكد أن أي محاولة لقمع التضخم الناجم عن هذا الاقتصاد الساخن باستخدام ضوابط ستعصف بها قوى السوق على الفور. هل يعني هذا أن الكونجرس والرئيس يجب عليهم تجاهل احتمال أن بعض الشركات تستغل الخلفية التضخمية لاستغلال قوتها الاحتكارية؟ والإجابة بالنفي، لأن القليل من تحديد أسماء هذه الشركات وإلحاق الخزي بها لن يسبب أي ضرر وقد يسارع بخفض التضخم. لكننا سنظل بحاجة إلى تشديد الاحتياطي الاتحادي، أي تقليل كمية الأموال التي تطارد العرض المحدود للسلع.
هذا إذا لم يكن بإمكاننا زيادة المعروض من السلع. ألا يمكننا خفض التضخم، على سبيل المثال، بالاستثمار في البنية التحتية، وبالتالي زيادة القدرة الإنتاجية للولايات المتحدة؟ من حيث المبدأ يمكننا ذلك، بل نقوم به في الواقع. ويعد قانون البنية التحتية للعام الماضي ومشروع قانون الحد من التضخم الذي تم إقراره للتو، مشروعات قوانين للاستثمار تجعل الولايات المتحدة في نهاية المطاف أكثر إنتاجية وبالتالي تحد من التضخم، فيما أعتقد، بأكثر مما يدرك كثير من الناس. لكن هذه الفوائد، بصرف النظر عن كونها غير مؤكدة في الحجم، ستستغرق سنوات حتى تتحقق. ويعتقد الاحتياطي الاتحادي، محقاً فيما اعتقد، أن هذا يجدي على مدار الساعة. وحتى الآن، ظلت توقعات التضخم ثابتة، لكن لا يمكننا الاعتماد على استمرار هذه الحالة السعيدة إذا ظل التضخم مرتفعاً لفترة طويلة. ولذلك، يحتاج الاحتياطي الاتحادي إلى اتخاذ إجراءات لتقليص التضخم الأساسي بسرعة إلى حد ما.
ولذا عليه اتباع النهج التقليدي، أي تقليص التضخم عن طريق وضع خطة لإبطائه. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التباطؤ سيكون حاداً بدرجة كافية ليتم وصفه بالركود، لكنه سيكون مؤلماً للمستهلكين حتى لو لم يكن كذلك. وهناك أشياء جيدة كثيرة يمكن قولها عن الاقتصاد الساخن وأسواق العمل الضيقة، وسنفتقدها بعد انتهائها. لكن ليس هناك أي بدائل واقعية فيما يبدو.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»