محمد بن زايد.. آفاق الفكر الاستراتيجي
القادة العظماء هم الذين ينظرون إلى المستقبل القريب والبعيد بكل احتمالاته، فيضعون استراتيجياتهم وخططهم لذلك، ويبنون أعمالهم على هذه الخطط والاستراتيجيات، وذلك بعد أن يحددوا الأهداف التي يريدون الوصول إليها بأوطانهم وشعوبهم. وقد يستمر تحقيق هذه الأهداف عشرات من السنين، ولكن نجاحها وبلوغها مرتبط بسلامة الخطط الإستراتيجية التي يضعونها، ودقَّة تنفيذها، والسهر عليها، وقياس معطياتها فترة بعد فترة.
وإنَّ بُعد النظر وترتيب أعمال المستقبل من صفات العظماء، وهؤلاء العظماء عددهم في التاريخ قليل، لأنَّ عظمة القائد تأتي من موهبةٍ متميزةٍ، وذكاءٍ وقاَّدٍ، وعزيمةٍ قويةٍ ومحبةٍ ممن حوله تحيط به، وتنفِّذ أمره، وكما قالوا قديماً لقائدهم: (والله لو خُضت بنا هذا البحر لخضناه معك).
صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، واحد من هؤلاء العظماء الذين يسجل الواقع والتاريخ لهم جهودهم الفائقة، وأعمالهم الرشيدة العظيمة في كلِّ المجالات، فإنَّه حفظه الله يسير بهذا الوطن منذ عقود من السنين من نصرٍ إلى نصر، ومن حسنٍ إلى أحسن.
لقد وضع القائد المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الأساس المتين وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد (شبيه زايد) يُعلي بناء هذا الوطن ويرسِّخ مكانته العالمية. إنَّه قد جعل كل فكره وجهده لرفعة هذا الوطن، وتعزيز مكتسباته، وحُقَّ لي ولغيري أن نقول في الشيخ محمد بن زايد كما قال المتنبي: وإذا كانتِ النُّفوس كباراً تَعبت في مُرادها الأجسام.
لقد أصبح لدولة الإمارات العربية المتحدة الحضور العالمي المؤثِّر، وذلك بجهود متتابعة واستراتيجية محكمة بدأها حفظه الله منذ عقود من السنين، وهدف واضحٍ يأتي في صُلبه ولُبِّه، شخصية الشيخ محمد بن زايد القيادية الودودة، وتواصله مع العالم الداخلي والخارجي، والمتأمِّل في صِلاته مع العالم الخارجي يجد أنَّه مؤثِّر في القيادات العالمية على اختلافها، فكلمتُه فصل، ورأيه حكمة، وعمله منهج عند جميع القادة العالميين في شرق الأرض وغربها، إنَّه الشخصية المحبوبة التي تحظى بالتقدير والثقة المطلقة في كلِّ أرجاء العالم، بل إنَّه المرجعية العالمية في عصرنا المضطرب، وإنَّ فكره المشرق قد تجاوز حدود العالم العربي، ليكون فكراً إنسانياً، ويُشكل تيَّاراً عالمياً يستقطب القادة الكبار في كل جهات العالم.
وإنَّ شخصية القائد الفذ صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، تنعكس على الوطن والمواطنين، فقد جعلت من هذا الوطن، دليلاً هادياً تهتدي به الشعوب والأوطان في واقعها ومستقبلها، وتُحاول السير على نهجه والنسج على مِنواله، لأنَّه يُحقق النَّجاح تلو النَّجاح والتَّفوق بعد التَّفوق.
لقد انتقل صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، بعبقريته وبُعد نظره بهذا الوطن بعد أن رسَّخ مكانته العالمية إلى الشَّراكات الاستراتيجية العالمية، وهذه مرحلة جديدة انبثقت من فكر الشيخ محمد بن زايد، ولم يُسبق بها، وإنَّها من الفكر الاستراتيجي للشيخ محمد بن زايد وحُسن تدبيره وتخطيطه، وهذه الشَّراكات الاستراتيجية التي تفتح الحدود أمام هذا الوطن وأبنائه ومؤسساته، وأهمُّ ما فيها أنَّها تجعل هذا الوطن وأهله بمأمنٍ واستقرار من التقلبات الخطيرة التي تَدبُّ في أوصال هذا العالم وتفكيره وتحركاته لعقود من السنين، وقد تستمر هذه التقلبات وما يتبعها لمدة غير قصيره، وهذه الشَّراكات الاستراتيجية تضمن الاستقرار لعقود من السنين قد تصل قرناً وأكثر من الزمان، وهذه رؤية صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، التي أعلن عنها في بداية الخمسين الثانية.
هذه الشَّراكات الاستراتيجية أول ما يبدو فيها: الإرادة والاختيار، فهي مع دول لها مكانة حضارية قوية تستند إلى مساهمة فكرية وعقلية لمدَّة غير قصيرة من الزمن، فهي في واقع الحال تملك رصيداً معرفياً وحضارياً أثَّر في البشرية، ويمكن أن يستمر هذا التأثير للبنية القائمة التي أعطت هذا الإسهام ولا تزال، وبهذه الشراكة الاستراتيجية يفتح الباب أمام أبناء هذا الوطن ذكوراً وإناثاً للبدء من القمة الفكرية والمعرفية التي وصل إليها العالم اليوم، ومن هنا ينطلقون دون تأخرٍ أو ضياع وقت فيختصرون مسافة أجيال، وللزمن في بناء الدول والحضارات قيمة عظيمة، وإنَّها لقفزة عظيمة بهذا الوطن إلى الصَّدارة العالمية، وتعميق هذه الصدارة.
ومع دولٍ صاعدةٍ لها الإمكانيات الكبيرة وهي سائرة في طريق الصعود والمشاركة العالمية، فالشَّراكة الاستراتيجية معها تجعل الخبرة والتجربة الإماراتية مفتاحاً لها إلى الطريق الواضح، لكي تُحقق أهدافها في البناء والتَّنمية والتَّقدم، وبذلك تكون الفائدة متبادلة بين الطرفين، وهذا الهدف يسعى إليه العقلاء في كلِّ زمانٍ ومكان.
وإذا كان هذا الاختيار في الشّراكات الاستراتيجية واضحاً فهناك أمر آخر في هذه الشَّراكات، ألا وهو مع بلدان عديدة في كل الجهات، ففرنسا في قلب أوروبا وصاحبة التَّأثير الكبير على كل أوروبا، ومع إندونيسيا وهي أكبر بلد مسلم سكاناً، وتأثيرها في العالم الآسيوي كبير جداً، وهي مع بعض بلدان أفريقيا الناهضة التي تبحث عن طريقها المستقبلي، ويعطيها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، رعاية خاصة لأسبابٍ عديدة، وستكون هناك شراكات مع جهات أخرى عديدة لما لهذه الشراكات من أثرٍ وتأثير.
إنَّ العالم اليوم وهو يتغير بسرعةٍ كبيرة ويتقارب بسرعة أكبر، قد بدأ يتشكل أمامه في الأفق ملامح جديدة لعالم المستقبل، إلا أنَّ هناك ثوابت لا يمكن أن يستغني عنها البشر وأوَّلها: الأمن الإنساني، فالأمن ضرورةٌ للاستمرار والازدهار، وإذا لم يكن الأمن مبسوطاً والنَّاس مطمئنِّين فلن يكون هناك تقدمٌ أو تعاونٌ بشري، ومن هنا فالشَّراكات الاستراتيجية تجعل الأمن وقمع الإرهاب أولوية فيها، وقد تعددت أنواع الإرهاب والمخاطر التي تؤثر على البشر وتُنغِّص عليهم حياتهم، وتُدمِّر مستقبلهم، فالتعاون لدرء هذه المخاطر هي من أولويات الفكر الاستراتيجي عند صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله.
وإذا كانت التكنولوجيا قد غيرت مفهوم المال والاقتصاد، وأصبحت درجات بعضها فوق بعض، وهي التي تضع مستقبل الدول والأوطان وأصبح تأثيرها أكبر تأثيرٍ على الشعوب لتحقيق الرفاه والعيش الكريم، فإنَّ هذه الشَّراكات الاستراتيجية تجعل دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أهمِّ الدول في العالم، التي تقود هذه المسيرة التي يشترك فيها الاقتصاد والمال والفكر والتخطيط والأمن والعلاقات الدولية، وذلك باختياراتها المتميزة للمشروعات الاقتصادية والتكنولوجية التي تتبناها وتسهم فيها، سواء كانت في الأرض كالزراعة والغذاء التي أصبح تأثيرها الأمني كبيراً، أو في الفضاء الذي يشهد سباقاً مَحموماً للسيطرة عليه وما بين هذا وذاك من إنتاج الثروة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وإنَّ الانتصار في الفضاء هو الذي سيغير جغرافية العالم وحدوده السياسة، ومنه ستولد الحضارة الإنسانية القادمة. وهذا يجعل كل منتجات العالم وما يحتاجه الناس داخل هذا الوطن موجوداً لا يُخشى فقدانه ولا يخاف أحدٌ انقطاعه، وهذا الذي يشير إليه الشيخ محمد بن زايد حفظه الله: (الغذاء والدواء خط أحمر) وقد أثبتت الأيام والأعوام الماضية صواب هذه الحكمة.
من آثار هذه الشَّراكات الاستراتيجية التي يرعاها صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، أن حدود هذا الوطن المادية والمعنوية أصبحت واسعة جداً، فهي في كل القارات والثقافات، وإنه لقوة عظيمة يرسخها هذا الوطن بفكر قائده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، وهنا أستطيع القول: إذا كانت الأوطان القائمة تنكمش وتتصاغر، فإنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة تتسع بمعناها وتأثيرها وتكبر مع الأيام. هذه الشَّراكات الاستراتيجية من عبقرية الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، وهي نموذج مستقبلي للتَّعاون الإنساني، وترسيخ للفكر الإنساني الذي ينادي به.
إنَّ الفكر الاستراتيجي عند صاحب السُّمو رئيس الدولة، حفظه الله، سيأتي بالمزيد من الأعمال والتواصل الدولي، لأنَّه واسع الآفاق، بعيد المدى يتوخى الإبداع والابتكار في التخطيط المستقبلي، وسيقوي هذا الوطن من خلال صناعة أجيال الشيخ محمد بن زايد الذين رأوا أمامهم هذه الآفاق الرحبة الواسعة وهذا هو المكسب الثمين الذي يحرص عليه حفظه الله، وسيجعل العهد المحمدي (عهد الشيخ محمد بن زايد) فترةً مضيئةً متميزةً في التَّاريخ العربيِّ والإنساني. وإنَّ ضرورة الإحساس بهذه الأعمال الجليلة من أجيال هذا الوطن وشبابه والاعتزاز بها والإسراع في الاندماج العالمي الذي يفتح أبوابه رئيس الدولة، حفظه الله، أمرٌ في غاية الأهمية في هذا السِّباق العالمي، وقد قالوا قديماً: من استوى يوماه فهو مَغبون - أي أضاع الربح والفائدة وخسر- ومن لم يكن في الزِّيادة فهو في النُّقصان، فكل يوم يمر دون تقدم هو تراجع وتأخر.
وإنَّ كلَّ يومٍ تطلع عليه شمسه نرى صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، يرتقي بهذا الوطن درجاتٍ في سلَّم المجدِ والسُّؤددِ بفكرٍ بنَّاءٍ ورؤيةٍ استراتيجية فريدة. فهل يكون شباب هذا الوطن والمقيمون فيه في مستوى هذا الطٌّموح ورؤية هذه الآفاق؟
اللَّهم احفظ حضرة صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة والبَاني لهذا الوطن، السَّائر به إلى ذُرى العز والمجدِ والرفعة، واحفظ هذا الوطن وأدم عليه نعمة الأمن والازدهار.
*المستشار الدكتور/ فاروق محمود حمادة.