آثار إيجابية لاستئناف تصدير القمح الأوكراني
كانت السفينة رازوني التي على متنها 26 ألف طن من الذرة هي أول سفينة تغادر ميناء أوديسا في أوكرانيا منذ العملية العسكرية الروسية في أوكزانيا.
وهذا بداية صفقة مدتها 120 يوماً بوساطة تركيا والأمم المتحدة لنقل الحبوب الأوكرانية. وستبدأ أوكرانيا، إحدى أكبر مصدري الحبوب في العالم، في شحن ما يقدر بنحو 18 مليون طن من الحبوب التي حوصرت في البلاد منذ فبراير الماضي. والشحنات المستنقذة بوسعها تخفيف مما وصفه خبراء بأزمة غذاء عالمية في طور التكوين. وهناك 16 سفينة أخرى كاملة تنتظر مغادرة أوكرانيا محملة بالذرة والقمح وبذور عباد الشمس والزيت.
وإلى جانب كون هذا تطوراً كبيراً للمزارعين الأوكرانيين والاقتصاد المحلي، يقدم خبراء الحبوب تقييماً هنا لما يعنيه هذا لبقية العالم. فقد أدى انقطاع إمدادات الحبوب والبذور الزيتية والسلع الأخرى التي يتم شحنها من منطقة البحر الأسود إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير خاصة في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تعتمد بشكل كبير على الواردات من أوكرانيا. ويرى مايكل ماجدوفيتز، محلل السلع في «رابوبنك» أن الصفقة بوسعها الصعود بحجم الصادرات من أوكرانيا إلى الضعفين شهرياً.
ويؤكد أنه «إذا أثبت هذا الممر نجاحه بشكل معقول، فسيقطع شوطاً طويلاً في التخفيف من نقص الحبوب في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا». وفي عام اعتيادي، تتدفق البضائع في أوكرانيا من الشمال إلى الجنوب على متن شاحنات إلى الموانئ الكثيرة في جنوب أوكرانيا.
وذكر ماجدوفيتز أن الحرب كانت تعني عزل ومنع سلع البلاد من التصدير وتدفقها ببطء يبلغ 1.5 مليون طن شهريا، أي ما يقرب من ربع طاقة التصدير العادية للبلاد. ومضى يقول إن موانئ أوديسا بها الآن نحو 600 ألف طن من الحبوب جاهزة للشحن في 16 سفينة، أي نحو نصف صادراتها الشهرية عبر الطرق البرية منذ بداية الحرب. وأضاف «نتوقع أن تزيد صادرات الذرة أكثر من ضعفين من 9 ملايين طن إلى 18 مليوناً إلى 22 مليون طن سنوياً لو حقق الممر نجاحاً ولو متوسطاً».
ويرى مايكل سوانسون، كبير الاقتصاديين الزراعيين في شركة «ويلز فارجو» للخدمات المالية ومقرها سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، أن العالم شهد انخفاضاً في الحبوب بلغ 27 مليون طن نتيجة لانخفاض الصادرات من كل من روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب. ومعظم الحبوب التي سيتم شحنها من أوديسا في جهد «تدارك الموقف» هذا ستكون من الذرة لتغذية الحيوانات. وأضاف سوانسون أن ظهور تأثير هذا سيستغرق بعض الوقت. ومضى يقول «إذا كانت علفاً للحيوانات سنشعر بالتأثير في غضون شهرين».
وأضاف أن تأثير إغاثة القمح سيُلاحظ بسرعة أكبر. ومضى يقول «دور أوكرانيا وروسيا كلاعبين في القمح أكبر بكثير من دورهما في الذرة. والقمح سيصبح طحيناً أسرع بكثير للاستهلاك البشري. وفي غضون أسبوعين على أقصى تقدير» ستشعر دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط بهذا الأثر. وذكر ماجدوفيتز إن السفن الستة عشر الأخرى، يفترض أنها غادرت يوم الثلاثاء الماضي (2 أغسطس) مروراً بمضيق البوسفور التركي. وأضاف أن الشحنات ستذهب بعد ذلك إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط وربما أوروبا في رحلات تستغرق أقل من أسبوع.
وأكد أن هناك سرعة كبيرة في عملية تفريغ الشحنات ونقلها إلى محطة انتظار ثم تحميلها على شاحنة أو عربة قطار وشحنها إلى المطاحن المختلفة. ويعتمد نجاح الصفقة الممتدة 120 يوماً على تحمل شركات الشحن وشركات التأمين للمخاطر. والمنطقة بأكملها ملغومة، وتحتاج السفن إلى حراسة في الداخل والخارج. ويرى ماجدوفيتز أن أكبر عائق هو التأمين بسبب «المخاطر العالية للغاية للصواريخ وأنشطة الحرب الأخرى». أما عن تأثير الصفقة في أسعار الحبوب في العالم، ذكر «سوانسون» أن العقود الآجلة للقمح تبلغ حالياً 8 دولارات للبوشل، وتنخفض تدريجياً خلال الشهرين الماضيين من ذروتها البالغة 12.50 دولار للبوشل في مايو.
والبوشل وحدة قياس أميركية وبريطانية للحبوب، ويتراوح وزن عبوة «البوشل» الواحدة بين نحو 14.5 كيلوجرام وما يزيد قليلاً على 27 كيلوجراماً، حسب نوعية الحبوب. ومضى يقول متحدثاً عن أسعار الحبوب التي تراجعت على مدار الشهرين الماضيين أن «المزيد من التوافر سيدعم سلاسل التوريد عبر العالم، لكن هناك أيضاً المزاج النفسي. ويمكنني القول إن توفر الحبوب يمثل 10%، والمزاج النفسي يمثل 90%. الأسواق توقعت حدوث ذلك».
ويرى بيت ليفانجي، الرئيس التنفيذي لشركة «باي ستيت ميلينج»، وهي واحدة من أكبر المطاحن المملوكة لأسرة في الولايات المتحدة أن الصفقة لن تحسن كثيراً أسعار المواد الغذائية محلياً لأن الولايات المتحدة تستورد القليل جداً من الحبوب من روسيا وأوكرانيا. ومضى ليفانجي يقول إن هذا لن يكون له تأثير يذكر على ما سيشعر به المستهلك العادي في ميزانيته الغذائية الأسبوعية لكن «نحن بحاجة إلى استعادة نظام ما يمكن التنبؤ به في تدفق السلع» وأضاف أنه حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا كانت أسعار القمح أعلى 50% من المعتاد.
وذكر أن هناك عوامل كثيرة أسهمت في هذا الارتفاع. فقد مثلت السنوات الطويلة من التقلبات المناخية تحديا للإنتاج العالمي، كما دفع النمو المتوقع للديزل الحيوي متجدد المصدر المزارعين إلى زراعة مساحات أقل من القمح ومساحات أكبر من فول الصويا والكانولا والذرة. وذكر ليفانجي أن «المحللين الذين نعمل معهم يقولون إن هناك 300 مليون بوشل جديد من الطلب على البذور الزيتية.
وإذا سحب هذا البساط من مساحات القمح، فستبلغ الخسارة 10% في المساحة المخصصة للقمح، أو نحو 13 رطلاً من الأغذية المصنوعة من القمح لكل شخص سنويا في الولايات المتحدة». وأضاف أن الطلب مرتفع أيضاً حالياً لأن أسعار المواد الغذائية المرتفعة تدفع الناس إلى تناول المزيد من الأطعمة المعتمدة على القمح مثل المعكرونة والخبز الأقل كلفة عموماً من اللحوم أو الخضراوات. لكن الخبراء يقولون إن الصفقة من المحتمل أن تكون ضخمة للمزارعين الأوكرانيين لأنها تبني الثقة وتعزز احتمالية إعادة الزراعة.
وأشار ماجدوفيتز أن «أوكرانيا تصدر نحو 5% من غذاء العالم. إذا روعت الاقتصاد، فقد تكون مزروعات العام المقبل أسوأ من هذا العام. هذا بوسعه الحد من الترويع هناك، وهذا يمثل أكبر تأثير لهذه الصفقة».
*كاتبة متخصصة في شؤون الغذاء وخريجة أكاديمية كاليفورنيا للطهي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»