السكان الأصليون في منظومة التراث البشري
يوجد حاليا حوالي 476 مليون شخص، ينتمون لما يعرف بالشعوب الأولى أو السكان الأصليين، يقطنون أكثر من 90 دولة حول العالم. ويتحدث هؤلاء بلغات أصلية فريدة، تشكل مجتمعة السواد الأعظم من لغات العالم، البالغ عددها 7 آلاف لغة.
ويعتبر السكان الأصليون وارثي ثقافات متميزة، وممارسي سبل فريدة في التعامل مع البيئات الطبيعية التي يقطنونها. ولكن للأسف في الوقت الذي يشكل فيه السكان الأصليون فقط 5% من سكان العالم، نجد أنهم يشكلون 15% من فقراء العالم، مما يعني أن نسبة الفقر بين هؤلاء، تبلغ ثلاثة أضعاف نسبتها بين عموم أفراد الجنس البشري.
ولذا وبغض النظر عن الاختلافات الثقافية بين مجتمعات السكان الأصليين حول العالم، يتشاركون جميعهم في طبيعة المشاكل التي تهدد بقائهم واحتفاظهم بهويتهم وحقوقهم. وقد يكون من الصعب أحياناً تحديد صفة السكان الأصليين على مجموعة ما، إلا أن المتفق عليه أن هذا المصطلح يشير إلى مجموعات ثقافية عرقية متميزة، ينحدر أفرادها مباشرة من أوائل من استوطنوا منطقة جغرافية محددة، وحافظوا لحد ما على اللغة الأصلية والعادات الثقافية لأسلافهم. وأحياناً ما يستقر هؤلاء في منطقة ما، معتمدين على الزراعة مثلا، أو يتنقلون بين مناطق شاسعة.
ولغرض زيادة الوعي بأهمية السكان الأصليين في منظومة التراث البشري، وسعياً نحو توفير المصادر اللازمة لمجابهة المشاكل التي تحيط بمجتمعاتهم، يتم في التاسع من أغسطس من كل سنة، منذ عام 1982، إحياء فعاليات وتنظيم أنشطة دولية متنوعة، ضمن اليوم العالمي للسكان الأصليين (International Day of the World's Indigenous Peoples).
وخلال فعاليات هذا العام، والتي ستشارك فيها دول وحكومات العالم، ومنظمات الأمم المتحدة، ومؤسسات المجتمع المدني بكامل أطيافها، سيتم التركيز على الدور المحوري الذي تلعبه نساء مجتمعات السكان الأصليين، في الحفاظ على لغة وتقاليد وعادات وموروث هذه المجتمعات، ونقلها عبر الأجيال تباعاً. وخصوصاً مع تزايد الدور الذي أصبحن يؤديه هؤلاء النسوة في الحفاظ على أراضي وبيئات مواطنهم الأصلية، في مواجهة جشع الاستغلال التجاري المتخفي تحت عباءة التطوير، ودورهن أيضا في الدفاع عن حقوق السكان الأصليين في جميع مناطق وبقاع العالم.
ويكفي لإدراك حجم القيمة التي تضيفها مجتمعات السكان الأصليين للمجتمعات الحديثة، ما خلص إليه التقرير الصادر عن معهد الموارد العالمية (World Resources Institute)، بأن الأراضي التي يقطنها السكان الأصليون حالياً، تعود بفوائد تقدر بالمليارات، وأحياناً تريليونات الدولارات، من خلال ما يعرف بعزل الكربون (Carbon sequestration)، أي إزالة غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وهو الغاز المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما يتبعه من تغير مناخي يتوقع أن تكون آثاره فادحة على جميع المجتمعات البشرية.
* كاتب متخصص في الشؤون العلمية.