العالَم معاً.. في مواجهة الأوبئة
في سابقة هي الثانية من نوعها منذ تأسيس منظمة الصحة العالمية عام 1948، عقدت الجمعية العامة للمنظمة جلسةً خاصةً، تم خلالها اتخاذ قرار إجماعي بالبدء في المناقشات الهادفة للخروج بمسودة اتفاقية دولية، ضمن دستور المنظمة، تؤطر لدعم وتنسيق الجهود الدولية في مواجهة الأوبئة العالمية، على صعُد الوقاية والاستعداد والاستجابة، سعياً لحماية المجتمع الدولي من أزماتٍ مشابهة للأزمة التي تسبب فيها الوباء الحالي.
هذا القرار، والذي أطلق عليه «العالَم معاً» (The World Together) سيتم بناءً عليه تأسيس هيئة «بين حكومية تفاوضية» (Intergovernmental Negotiating Body)، تضطلع بإدارة المفاوضات بين الدول الأعضاء، للخروج بمسودة اتفاقية دولية تحظى بدعم وتأييد الغالبية.
ويأتي قرار الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية ببدء المفاوضات الهادفة لتفعيل هذا القرار، بعد أيام قليلة من إعلان مجلس إدارة البنك الدولي الموافقةَ على تأسيس صندوق مالي مرحلي، لتمويل الاستثمارات الضرورية لزيادة القدرات على الوقاية والتحضير والاستجابة للأوبئة، على المستويات القومية والإقليمية والدولية، مع التركيز على بناء هذه القدرات في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
حيث سيتم توجيه أموال هذا الصندوق لتوفير المصادر اللازمة للوقاية والاستجابة، وحث الدول على زيادة الاستثمارات، وتنسيق التعاون بين الشركاء الدوليين، وكمنصة للدفع بهذا الاتجاه، ومرادف ومكمل للمصادر المالية المتاحة بالفعل، وللخبرات الفنية والعلمية المتاحة حالياً.
ويُظهِر تتابع هذه التحركات، تعمّق إدراك المجتمع الدولي بخطورة نقاط الضعف في نظم الرعاية الصحية حول العالم، وعجزها في الكثير من الحالات عن حماية أفراد الجنس البشري. وهو ما تجسد في مظاهر عدة، مثل عدم توفر جرعات كافية من التطعيمات لأفراد المجتمع الأكثر ضعفاً، وعدم توفر التجهيزات الضرورية وسبل الوقاية الكافية لأفراد الطاقم الطبي أثناء تأديتهم لواجباتهم في ظروف غير مسبوقة، وأخيراً الأنانية التي أظهرتها بعض الدول في التقاعس عن مشاركة ما هو متوفر لديها من تطعيمات، حتى ولو كانت تفيض عن احتياجات شعوبها، وهي كلها عوامل أحبطت وأعاقت تضافر الجهود الدولية الساعية لمكافحة الوباء.
ويُرد تزايدُ الإدراك بأهمية تضامن وتضافر الجهود الدولية الرامية لمكافحة أوبئة الأمراض المعدية إلى حقيقة أن هذه الأوبئة لا تعترف بالحدود السياسية أو الجغرافية. حيث تترك خلفَها آثاراً مدمرةً على القاصي والداني، وتعيق جهودَ التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترتد بها أحياناً إلى الوراء، لتلغي حصيلة عقود كاملة من الإنجازات.
وقد أتى تعزيز التعاون الدولي في مكافحة أوبئة الأمراض المعدية ثمارَه، في عدة مبادرات دولية فاعلة، مثل تحالف الابتكارات لمواجهة الأوبئة، والتحالف العالمي للقاحات والتحصينات والمعروف اختصاراً بتحالف «جافي»، ومبادرة «كوفاكس»، ومبادرة مصادر الأخبار الموثوقة والتي تهدف إلى دحض الادعاءات والأكاذيب المرتبط بأوبئة الأمراض المعدية.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية