قمة جدة للأمن والتنمية
في وقت مفصلي على مستوى العالم أجمع، جاءت قمة جدة للأمن والتنمية لتضع بعضَ الأمور السياسية في منطقة الخليج بمكانها الصحيح، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقات الخليجية الأميركية التي مرت بفترة من البرود على مدى عامين، وهي العلاقات التي لطالما كانت دافئةً ومستقرةً لعقود، فالمرحلة التي يمر بها العالَم اليوم، والتحوّلات التاريخية على المسرح الأوروبي والروسي، والوضع المتأزم في أوكرانيا نتيجة الصراع الروسي الغربي، والتحشيد الإعلامي من كل الأطراف باتجاه التصعيد، وتنحية جهود السلام ومحاولات وقف النزاع.. كل هذه الظروف جعلت لِقمةِ جدة أهميةً بالغةً، ليس لمنطقة الخليج فحسب، بل كذلك للولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، والتي تسعى لحشد التحالفات وإيجاد حلول لمشاكلها ومشاكل حلفائها الأوروبيين المتفاقمة في مجال الطاقة.
وهذا ما يفسر حرص الإدارة الأميركية على المبادرة بحضور الرئيس بايدن قمة دول الخليج العربي التي عقدت يومي 15 و16 من يوليو الجاري. كما استضافت القمة الملك عبدالله الثاني عاهل المملكة الأردنية وعبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، ومصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي. وفي خضم التلاطم بين المعسكرين الشرقي والغربي، والذي باتت ملامحه شبه واضحة اليوم، تلي هذه القمةَ التاريخيةَ قمةُ طهران (الروسية الإيرانية التركية)، والتي سبقتها أيضاً قمة «البريكس» في بكين لقادة روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ودُعيت إليها السعودية والإمارات ومصر.
انتهت قمة جدة للأمن والتنمية باتفاقيات مطمئنة أهمها دعم القادة لضمان خلو منطقة الخليج من كافة أسلحة الدمار الشامل، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، والتصدي للإرهاب وكافة الأنشطة المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة.. هذا بالإضافة إلى واحد وعشرين بنداً تضمَّنها البيان الختامي للقمة، كان من أهمها السعي للتوصل إلى حل سياسي في اليمن وفقاً لمرجعيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن. كما رحَّب القادةُ بتأكيد الرئيس جو بايدن على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لشراكاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، والتزامها الدائم بأمن شركائها والدفاع عن أراضيهم.
ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الخصوص المقترح بإنشاء «قوة المهام المشتركة 153» و«قوة المهام المشتركة 59»، واللتين تعززان الشراكةَ والتنسيق الدفاعي بين دول مجلس التعاون والقيادة المركزية الأميركية، بما يدعم رصد التهديدات البحرية ويطور الدفاعات الخليجية البحرية عبر توظيف أحدث المنظومات والتقنيات، وتكثيف التعاون المشترك لدعم القدرات الدفاعية لدول مجلس التعاون، وتطوير التكامل في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي، وقدرات الأمن البحري، ونظم الإنذار المبكر، وتبادل المعلومات.. كما ورد في البيان. هذا بالإضافة إلى تأكيد القادة في قمة جدة على الالتزام بدعم السلام في منطقة الشرق الأوسط.وأخيراً، فإن منطقة الخليج بانتظار نتائج إيجابية واعدة على الصعيدين الأمني والاقتصادي، وتطبيق ما تمخضت عنه هذه القمة. وفيما يخص الولايات المتحدة فقد كانت مكاسبها جمة من هذه الزيارة.
وكما صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عندما سأله مذيع قناة «سي إن إن» الأميركية: لا بد أن الرئيس بايدن خرج بشيء ما، ماذا أعطيتموه؟ فرد سموه: لقاؤه بزعيم رئيسي في المنطقة، وإعادة تنشيط العلاقة الاستراتيجية مع المنطقة.. كل هذا فوز بالنسبة للرئيس بايدن، وقد خرج به من زيارته!
*كاتبة سعودية