قمة جدة..وأفق العلاقات الخليجية الأميركية
حققت «قمة جدة للأمن والتنمية»، التي جمعت بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب الأردن ومصر والعراق، واختتمت أعمالها مساء أول أمس السبت، عدداً من الأهداف التي عُقدت من أجلها، بيد أنّ النتائج التي تمخضت عنها القمة، تبدو أقل من التوقعات، بالنظر للزخم الإعلامي الكبير الذي رافق الإعلان عن القمة، وأيضاً ما توقعته دول المنطقة وشعوبها منها.
البيان الختامي للقمة أكد أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية الأميركية - الخليجية، واتخاذ كافة الإجراءات لحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي وتطوير التعاون والتكامل بين دول المنطقة، ولاسيما مواجهة تغير المناخ. كما كرر البيان الالتزام الأميركي بتسوية عادلة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، والتأكيد على ضمان خلوّ منطقة الخليج العربي من الأسلحة النووية، والتصدي للإرهاب وكل الأنشطة المزعزعة للاستقرار الإقليمي. وأدان البيان الهجمات الإرهابية ضد الأهداف المدنية ومنشآت الطاقة في السعودية والإمارات، وضد السفن التجارية في مضيقي هرمز وباب المندب.
وأخيراً، تطرق البيان الختامي لقمة جدة إلى مواقف معتادة للدول المشاركة بخصوص الصراع السوري، والأزمة الليبية، والأوضاع في لبنان والعراق والسودان وأفغانستان، وملف سد النهضة الإثيوبي.
قمة جدة أحدثت اختراقاً في العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة، بالنظر إلى حالة الفتور التي عانتها مؤخراً، حيث تم الاتفاق على أن تنعقد القمة الأميركية-الخليجية بشكل سنوي مجدداً، كما كانت في عهد الرئيس أوباما.
وحققت الدول العربية عدداً من الأهداف التي كانت تسعى إليها من وراء القمة، فقدوم بايدن الذي كان يرفض من قبل زيارة السعودية، يعد بحد ذاته هدفاً مهماً، وهو اعتراف من قبل واشنطن بأهمية دول الخليج للمصالح الأميركية واستراتيجيتها في المنطقة وخارجها. وقد حصلت الدول العربية على التزام صريح من بايدن بعدم التخلي عن المنطقة والتزامه بضمان الأمن فيها وتعزيز التعاون مع دولها في المجالات المختلفة، وتعهد أيضاً باستمرار الضغط على إيران وعدم السماح لها بامتلاك أسلحة نووية.
وربما من أهم ما حققته الدول العربية من القمة هو إظهار قدرتها على صياغة الأجندات التي تخدم مصالحها، بعيداً عن لغة الضغوط. وبالمقابل، حقق الجانب الأميركي بعض الأهداف من القمة، أهمها: استقرار أسعار الطاقة، حيث حصل بايدن على التزام بضخ النفط في الأسواق لشهري يوليو وأغسطس بنسبة تزيد على 50% عما كان مخططاً له. وهذه كانت ضمن أهم أهداف الزيارة.
وفيما يتعلق باليمن، كان هناك التزام من السعودية بتمديد الهدنة وتعزيزها أيضاً، وهذه من القضايا التي استخدمها بايدن لتبرير زيارته للسعودية. كما حصل بايدن على التزامات مادية من دول الخليج بقيمة 10 مليارات دولار رُصدت للأمن الغذائي الإقليمي والعالمي، و3 مليارات أخرى للبنية التحتية في الدول الفقيرة. كما أن قرار السعودية بفتح أجوائها للطيران المدني من إسرائيل وإليها يعد إنجازاً «تاريخياً»، على حد تعبير بايدن نفسه. دون الحديث عن التوقيع على 18 اتفاقاً مع السعودية في مجالات تشمل الطاقة والفضاء والصحة والاستثمار.
ولكن بايدن لم يحصل على كل ما يريد، إذ لم يكن خلال القمة أي حديث عن تشكيل تحالف إقليمي أو «ناتو» أوسطي من الدول العربية وإسرائيل. كما لم يكن هناك أيضاً أية إشارة إلى توسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل السعودية والتي أكد بايدن ومستشاروه عدة مرات أنها في صلب أهداف الزيارة.
ولم تحصل الولايات المتحدة على ما كانت تطمح إليه من تأييد عربي لموقفها من الحرب الروسية-الأوكرانية. وعكَس البيان الختامي للقمة تفَهُّم واشنطن لموقف التحوّط الاستراتيجي الذي اختارته دول مجلس التعاون الخليجي تجاه طرفي الحرب (روسيا وحلفائها من ناحية وأوكرانيا والغرب من ناحيةٍ أخرى)، والذي يقوم على «الحياد الاستراتيجي» تجاه مجريات الصراع. إذن، حققت القمة بعض الأهداف لكلا الطرفين. والخلاصة أنّ قمة جدة لم تُفضِ إلى إعادة توجيه العلاقات الخليجية-الأميركية، وإنما حاولت إعادتها إلى سيرتها الأولى.
*الرئيس التنفيذي ومؤسس تريندز للبحوث والاستشارات.