لمقتدى الصَّدر خطابان.. لصَدام وبرهم!
مرَّ زمنٌ ليس بطويلٍ في عمر انقلابات العِراق، بين (1999) و(2022)، لنرى كيف ينقلب الخطاب، وكيف تُقاد النَّاس، ليتحول فيها المرفوع إلى حدِّ التقديس أو مخذولاً إلى حد التَّدنيس. فما هي إلا لحظات وتتغير كميائيات الأدمغة، ليحذف كلّ موقف سابق، أمّا النَّاس فليس لهم غير إنزال ورفع الصَّور، تنتظر يوم إنزالها، عاجلاً أم آجلاً.
إنّها دولايب الحوادث، كعروب أو نواعير هيت، تحمل ما تمرُّ بها مِن مياه، مذاقها حسب المواسم، حيث يعرف العِراقيون ما بين مياه «الخنياب» و«الصَّهيود»، الفيضان والجفاف، ذلك بفضل تاريخ النَّهرين الغابر. ألتقط الجواهريّ(ت:1997) هذين الموسمين، فعكسهما على الشَّخصيَّة العراقيَّة، ولستُ معنيا بصحتها أو خطئها، فلا هو مختص بالاجتماع ولا أنا، بقدر ما مثل هذا الاقتران مواقف في السِّياسة العراقيَّة.
قال: «ودجلةَ إذْ فارَ آذيُّها/ كما حُمَّ ذُو حَرَدٍ فاغتلى/ ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ/ تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى/ تُريكَ العراقَّي في الحالتينِ/ يُسرِفُ في شُحّهِ والنَّدى»(المقصورة 1947). بين خطابي مقتدى الصَّدر، لصدام حسين(أعدم: 2006)، الرَّئيس الذي يُذكر على لسان مقتدى ب«المقبور» الآن، وبرهم صالح الرَّئيس الحالي، أجد التقلب الفظيع في خطاب السِّياسة العراقيَّة، الذي شخصه شاعرٌ وليس عالم اجتماع، إن صحت تسميتها سياسة، وإلا هي أضاحيك متواترة، بين الأمس واليوم! عندما قُتل محمد الصَّدر(1999)، لم يكن مقتدى معروفاً خارج أسرته، حتى البرقية التي رفعها شاكراً لصدام بعد مقتل والده نشرتها الصحف ببرقية «أسرة الصّدر».
جاء فيها: «القائد الفذ صدام حسين رئيس جمهورية العِراق حفظه الله ورعاه، كانت مواساتكم لنَّا باستشهاد آية الله العظمى السَّيد محمد الصَّدر ونجليه لها أعظم الأثر في نفوسنا. جنبكم الله تعالى كلَّ سوء، ودفع عن عِراقنا العزيز ما يريده الأشرار مِن دمار وإذلال. حفظكم الله وسدد خطاكم نحو الخير، لتبقى راعياً للحوزة الدِّينيَّة، ولقادتها المخلصين، في هذا البلد، الذي كان ولا يزال مشعاً بأنوار أهل البيت عليهم السَّلام، وسيبقى مصدر إشعاع للأجيال القادمة، إن شاء الله تعالى. أدام بقائكم والسَّلام عليكم ورحمة وبركاته.
مقتدى الصَّدر وأسرته 13 ذي القعدة الحرام»(صحيفة القادسية، العدد المؤرخ في 2/3/ 1999). لكن كيف تغير الزَّمن، ومَن حلَّ عُقد الألسن، كي يُخاطب رئيس جمهورية في زمن آخر، وتتبدل عبارة البسملة بين الخطابين؟! والمفروض أنَّه منتخب، مِن قِبل جمهور مقتدى أيضاً. خاطب مقتدى الرئيس بالآتي: «بسمه تعالى، مِن المخجل جداً جداً، أن يرفض ما يُسمَّى برئيس جمهورية العراق(برهم/ القوسين في النَّص) التَّوقيع على قانون تجريم التَّطبيع، فيكون مِن الصَّعب على الشَّعب َّ رئيسهم تطبيعياً، وغير وطني بل تبعي للغرب أو الشَّرق. وأني أبرأ مِن جريمة هذه، أمام الله وأمام الشَّعب العراقي، وأسف لترشيحه لمنصب الرَّئاسة سابقاً ولا حقاً. مقتدى الصَّدر»(حسابه في تويتر 28/6/2022).
كتبت عن «تجريم التَّطبيع»، لكثرة أحكام الإعدام فيه، ولأنَّه غزل للمقاومة والممانعة، التي تعبث ميليشياتها بالبلد، وما يخشاه مقتدى من تهديد مِن قِبل الكتائب، التي لا يقف أمامها تيار ولا إطار. مع ذلك مقالنا لا علاقة له إلا بلفت الأنظار لتبدل الزَّمن، ويعتبر نفوذ مقتدى أحد أبرز عجائبه. أعود لمقصورة الجواهريّ: «لشرِّ النّهايات هذا المطاف/ فكلُّ مطاف إلى منتهى/ متى ترعوي أمةٌ بالعِراق/ تُساقُ إلى حتفها بالعصا».
* كاتب عراقي