بين «نيرة» و«إيمان».. حزن وتبرير!
ما إن استفاقت مجتمعاتنا العربية من الصدمة المريعة لنحر الفتاة الجامعية «نيرة» على يد زميلها في جامعة المنصورة بمصر في 20 من الشهر الجاري (يونيو 2022)، وما رافقها من موجة غضب عارم حيال الجريمة، حتى وافتنا بعدها بأيام حادثة لا تقل ألماً وبشاعة حين أقدم شخص في الأردن على قتل الطالبة «إيمان ارشيد» (21 عاماً) داخل الحرم الجامعي، بإطلاق الرصاص عليها مباشرةً في مقر جامعة العلوم التطبيقية شمالي عمّان.
وحين انتشرت قصة الطالبة «نيرة» التي فارقت الحياة نحراً على يد زميلها الذي بيَّت النيةَ مسبقاً لجريمته وعقدَ العزمَ على قتلها وتتبعها حتى وصلت إلى الجامعة، ليباغتها بعدة طعنات متتالية قاصداً إزهاق روحها، حينها كان للرأي العام المصري اتجاهات مختلفة فالأغلبية شجبت العمل الإجرامي الجبان في حق الفتاة، بينما ذهبت بعض الآراء إلى تفسيرات أقحمت الدينَ والمظهرَ الخارجي في الجريمة، وبالأخص بعد أن ظهر أحد الدعاة (المستظرفين) الذين سلكوا أسلوبَ التهكم والتنكيت في الوعظ، فربط الحادثةَ بمظهر الفتاة وعدم ارتدائها للحجاب، بطريقة لا تختلف عن أي خطاب متطرف يلقي اللوم في أي حادثة تتعرض لها المرأة على المرأة نفسها. وهذا أسلوب مستهجن وخطير جداً ويؤجج العواطفَ الدينيةَ ضد المرأة؛ فحين يطل واعظ على جمهور مليوني ويلقي خطاباً يستبطن فيه لوم القتيلة بجمل كهذه: «إذا كانت حياتك غالية، فاخرجي من بيتك بقفة»، و«المرأة والفتاة تتحجب عشان تعيش، وتلبس واسع عشان متغريش ولو حياتك غالية عليكِ اخرجي من بيتك بقفة، لا (متفصلة) ولا بنطلون ولا شعر على الخدود، عشان وقتها هيشوفك اللي ريقه بيجري، ويقتلك»! فهو هنا يربط خروج أي أنثى خارج محدداته بالقتل.
لذا فالأكيد أن الخطاب الديني في عالمنا العربي والإسلامي بأشد الحاجة اليوم للتجديد، في ظل فوضى الفتاوى والأحزاب وظواهر وعاظ السوشل ميديا وسفهائها. قرأتُ جملةً ساخرةً على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، بعد حادثتي المنصورة وعمَّان، تقول: «في المجتمع العربي إذا البنت حكت مع شاب قتلها أهلها، وإذا رفضت قتلها الشاب». وهي بالتأكيد مقولة ساخرة، لكنها مؤلمة في الوقت ذاته، حيث تكثر جرائم قتل الفتيات تحت مسمى جرائم الشرف في بعض الأقطار العربية، وبحجة ارتكابهن علاقات محرمة، وكأن قتل النفس ليس محرماً أو كأن تبريره لا ينافي جوهر الإسلام!
إنها في الواقع تبريرات لا تمت للدين بصلة؛ فالإسلام يحرم قتل النفس تحت أي ذريعة عدا ما يحتكم به تحت شرع الله، وعليه فإن إزهاق روح بريئة بمعزل عن القوانين والشرائع ودون تحقيق العدالة على القاتل، أمر مؤلم يرسخ الاحتكام إلى موروثات ماضوية وأهواء تحركها كوامن انتقاص المرأة واحتقار جنسها واستغلال ضعفها وقلة حيلتها وافتقارها لحقوقها.. وبالتالي فإن مسألة حياتها أو موتها يحكم بها الرجل حين تخرج عن مسار ما يسمى «شرفه»، وذلك في بعض المجتمعات العربية التي تختزل شرفها في الأنثى فقط! وأخيراً.. في حادثتي الفتاتين تقارب مريع من عدة نواحٍ، وبالأخص من الناحية الفسيولوجية للقاتلين؛ فكلاهما حملا المبرر ذاته للقتل، وهو الانتقام للكرامة التي أُهدرت بسبب رفض «امرأة»!
*كاتبة سعودية