في ذكرى الإبادة الجماعية لعام 1994 ضد التوتسي، جدد الروانديون في الإمارات تأكيدهم على أن المجازر التي ارتكبت ضد التوتسي قبل 28 عاماً، واحدة من أقسى الإبادات الجماعية في تاريخ البشرية، حيث راح ضحيتها أكثر من مليون بريء من التوتسي قُتلوا بوحشية خلال مائة يوم تقريبًا.. وهذه الفعالية التي انعقدت أمس في أبوظبي شارك فيها عن بعد روانديون مقيمون بالمملكة العربية السعودية والبحرين.
Kwibuka تعني (كي نتذكر) بلغة «كينيارواندا» التي يتحدث بها الروانديون، وشارك في النسخة الـ28 من Kwibuka مسؤولو وأعضاء السلك الدبلوماسي وأصدقاء رواندا، وهي مناسبة لتذكر الماضي الفظيع، وفي الوقت نفسه تأمل مسيرة رواندا الشاقة نحو إعادة الإعمار.
وتحت شعار «ذكرى ووحدة ونهضة»، تستمر فترة إحياء المأساة، التي تتضمن فعاليات بدأت في 7 أبريل 2022، لمدة 100 يوم حتى 4 يوليو المقبل. وتضمنت الفعاليات التي نظمتها سفارة رواندا في دولة الإمارات العربية المتحدة،: الوقوف دقيقة صمت لتأبين ضحايا المجزرة وإضاءة الشموع تخليداً لذكراهم، وبث فيديو عن الإبادة التي تعرض لها التوتسي عام 1994.
وأعرب خالد صالح الراشدي، مدير إدارة الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة، عن تضامن دولة الإمارات مع جمهورية رواندا حكومةً وشعبًا، قائلًا: «أنضم إليكم اليوم لتكريم وتذكر أولئك الذين فقدوا أرواحهم في الإبادة الجماعية ضد التوتسي، ولأتشارك التضامن مع الناجين الذين فقدوا عائلاتهم وأصدقاءهم خلال الإبادة الجماعية. واليوم نقف تضامنًا مع شعب رواندا لتذكّر أصعب فترة في تاريخهم».
وشاركت في الفعاليات أنيتا كاييرانجوا، المدير التنفيذي للوحدة الوطنية وتعليم المواطنة في وزارة الوحدة الوطنية والمشاركة المدنية، وألقت خطاباً عن الجهود المبذولة لمكافحة خطاب الكراهية، والتأسيس للحوار والتسامح. عملت أنيتا مديرة برنامج تعليم السلام في رواندا، الذي سعى إلى تعزيز «التغيير السلوكي» ومنع تكرار الفظائع الجماعية مثل الإبادة الجماعية. كان هذا البرنامج هو الذي دفع عملية تضمين «تعليم السلام والقيم» في المناهج الدراسية الوطنية.
كما تضمنت فعالية إحياء الذكرى الـ28 في دولة الإمارات رسائل أمل قدمها الشباب وشهادة مؤثرة شاركتها بولين كايتاري موكاييرانجا، إحدى الناجيات من الإبادة الجماعية التي عاشت في كارونجي خلال الإبادة الجماعية لعام 1994 ضد التوتسي.
رواندا الحديثة
أكد إيمانويل هاتيجيكا، سفير جمهورية رواندا لدى دولة الإمارات«أن نهضة رواندا بعد عام 1994 هي سجل تاريخي يزخر بالتسامح وصمود الشعب والقيادة الحكيمة. فمن فقد مليون من الأرواح البريئة إلى تحويل رواندا لبلد مزدهر به مليون فرصة، تحدى الشعب الرواندي كل الصعاب لبناء أمة نفخر بها اليوم».
وأشار هاتيجيكا إلى أن الرجال والنساء الشجعان الذين أوقفوا الإبادة الجماعية أرسوا أساسًا قويًا لرواندا الحديثة، لكن التحدي المقبل يكمن في أيدي الشباب. وأضاف «إن الأمر منوط بالأجيال الشابة لمواجهة التحدي والتأكد من أن تبقى الروح الرواندية شامخة، وأن تسمو بين التوجهات السائدة العالمية الحالية والناشئة». وكانت مبادئ الوحدة والمساءلة والتفكير بطموح هي الأساس لخطة كان الهدف منها إرساء التنمية والنهضة في رواندا بعد 1994 في ظل قيادة فخامة الرئيس بول كاغامي.
والجدير ذكره أن رئيس رواندا بول كاغامي قال يوم 7 أبريل 2022 في كلمته خلال مراسم إحياء الذكرى الوطنية الـ 28 للإبادة الجماعية لعام 1994 ضد التوتسي: «لا ينبغي إضاعة فرصة الاستفادة من هذه الدروس الصعبة والمؤلمة، فكل عام يمر يجعلنا أشخاصًا أقوى وأفضل». وقال الدكتور فرانسيس جودرولت، الباحث المشارك بمركز دراسات الحوكمة في جامعة أوتاوا، والذي تحدث كصديق لرواندا: «تحققت معجزة رواندا من خلال الشعب الصامد والقيادة الملهمة. صمود رواندا هو أمر مذهل حقًا. إذا تحدثنا عن الدولة نفسها، ما يسمونه المعجزة الرواندية، تمامًا كما نقول عن معجزة دول شرق آسيا، والقدرة على تطوير البلاد بهذا الشكل، فكم عدد الدول التي أحدثت تغييرًا مثل ذلك بعد أحداث مماثلة؟ أعتقد أننا يجب أن نتحدث عن شعب رواندا، والحكم الرواندي، والقيادة الملهمة حقًا».
وقائع المأساة
لم تكن الإبادة الجماعية ضد التوتسي مجرد حدث عارض أو من قبيل المصادفة، بل كانت الهدف من خطة إبادة طويلة مدبرة ضد التوتسي على يد نظامَين متتاليين اتبعا السياسات الشنيعة التي بدأت في الفترة الاستعمارية لبث الفرقة. وفي ليلة السادس إلى اليوم السابع من شهر أبريل في عام 1994، بعد إسقاط طائرة فالكون 50 التي كانت تقل الرئيس جوفينال هابياريمانا، بدأت الحكومة على الفور في تنفيذ خطة الإبادة الجماعية التي أعدتها منذ فترة طويلة لإبادة التوتسي. واغتيل أكثر من مليون شخص في الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994 ضد التوتسي في رواندا.
ونص قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 955 الصادر عام 1994 بشأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بوضوح على أن ما حدث في رواندا كان إبادة جماعية. كما خلص الإقرار القضائي الصادر عن دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا لعام 2006 إلى أن «المعروف لدى الجميع» أنه «في الفترة الفاصلة بين 6 أبريل و17 يوليو 1994، وقعت إبادة جماعية في رواندا ضد جماعة التوتسي العرقية».
واعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 7 أبريل 2004 بالفظائع التي ارتكبت في رواندا على أنها «يوم دولي للتفكّر في الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا». وبتاريخ 20 أبريل 2020 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قراراً بشأن اليوم الدولي للتفكر في الإبادة الجماعية التي وقعت ضد التوتسي في رواندا عام 1994. وبالفعل أعلنت بعض الدول يوم 7 أبريل يوماً لإحياء الذكرى السنوية للإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد التوتسي. مكافحة الإنكار كما أن الأمم المتحدة، وعبر قرارها رقم 2150 لعام 2014 الصادر يوم 16 أبريل 2014 بشأن التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان، حثت الدول على سن قوانين تعاقب إنكار الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، ففي فرنسا مثلاً منذ عام 2017، تتم معاقبة كل من ينكر أو يستخف أو يستهين بطريقة مشينة بوجود جريمة إبادة جماعية نشأ عنها إدانة قضائية صادرة عن محكمة فرنسية أو دولية، وفي عام 2019 سنت بلجيكا قانوناً يحرم إنكار الإبادة الجماعية ضد التوتسي.
الوحدة والبناء
نجحت رواندا في إعادة البناء والخروج من المأساة بجهود الرئيس بول كاغامي الذي انتهج منذ انتخابه عام 2003 سياسة تقوم على الوحدة والمساءلة والتفكير بطموح، واعتمد على خطة واضحة من أجل التطوير السريع يستفيد منها جميع الروانديين. وبهذه السياسة الناجحة، ومن خلال استراتيجية طويلة الأمد للتنمية الاقتصادية، استطاع كاغامي الفوز بولاية رئاسية ثانية عام 2010 وولاية ثالثة عام 2017.
ونجحت رواندا عبر (رؤية 2020) في إرساء أهداف أهمها: إعادة بناء الأمة وتنمية الموارد البشرية وإدارة استخدام الأراضي والتنمية الحضرية وتدشين البنى التحتية الأساسية وتطوير القطاع الخاص وتحديث أساليب الزراعة، والمساواة بين الجنسين والاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والتكامل الإقليمي والدولي. أصبحت رواندا الآن أسهل بلد لإقامة المشاريع التجارية في أفريقيا، وأصبحت مركزا ناشئاً لتكنولوجيا المعلومات والخدمات المالية.
وحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء في رواندا، حقق الناتج المحلي الإجمالي زيادة بمقدار 14 ضعفاً خلال الفترة من 1994 إلى 2019، وخلال الفترة ذاتها، ازداد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 7 أضعاف. طموحات رواندا تتجلى في (رؤية 2050) التي تتضمن توجها استراتيجياً طويل الأجل لـ (رواندا التي نريدها)، بحيث تصبح رواندا دولة ذات دخل متوسط أعلى بحلول 2035 ودولة عالية الدخل بحلول عام 2050.