عودة أميركا إلى الشرق الأوسط
منذ أن أعلن أوباما انسحاب الولايات المتحدة من العراق وتسليمه إلى إيران، بدأ التلويح بانسحاب أميركي من الشرق الأوسط كله لصالح التوجه نحو جنوب وشرق آسيا. وقد نوه أوباما منذ عام 2011 إلى خطته في الانسحاب من أفغانستان أيضاً.
ونذكر هنا أن هاري ريد زعيم الأكثرية «الديمقراطية» في مجلس الشيوخ الأميركي رحب يومذاك بإعلان أوباما، وقال: «إن على المسؤولين في إيران أن يعلموا أن الربيع الذي أزهر في هذه المنطقة على وشك أن يزهر في بلادهم أيضاً». بينما حذر السيناتور ليندسي غراهام باسم الحزب الجمهوري من خطر هذه الخطوة وأعرب عن مخاوفه من «أن تنجم عن هذا القرار أوضاع تعود لتؤرق بلادنا»، وقد صدقت رؤية غراهام.
وحين جاء ترامب أكد عزمه تخفيض حجم الدفاعات الأميركية في الشرق الأوسط، وعملياً بدأ الانسحاب العسكري التدريجي الذي شمل العديد من الأسلحة من صواريخ باتريوت وطائرات وسواها، مما دعا توماس فريدمان أن يتساءل يومها: «أهو انسحاب لصالح مواجهة روسيا والصين أم هو لإرضاء إيران؟». ولما جاء بايدن وانسحب من أفغانستان كثُر الحديثُ عن توجه الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلدان العربية، مع بقاء قواعد عسكرية ذات فاعلية.
ويبدو أن وظيفة الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط هي الحفاظ على أمن الطاقة وإنتاج وتوريد النفط، وعلى المصالح الأميركية عامة. ولم تكن للعرب مشكلة مع الانسحاب الأميركي، لكنهم يحرصون على الشراكات الاستراتيجية، وعلى التحالف في إطار الالتزامات المتبادلة رغم عدم وجود اتفاقيات كالتي بين الولايات المتحدة واليابان مثلاً، أو بينها وبين حلفائها في دول «الناتو».
لكن ما بدا في السياسات الأميركية من برود انعكس على هذه العلاقات، فضلاً عن الحملات الإعلامية والتصريحات غير الودية.. كل ذلك جاء امتحاناً لقدرة العرب، وبخاصة دول الخليج العربي، على الاستثمار في علاقات دولية أكثر توازناً وتنوعاً، الأمر الذي فتح آفاقاً واسعة أمام مستقبل المنطقة، وضمان أمنها عبر شبكات متينة من المصالح الاقتصادية.
وجاء الامتحان الفاصل في الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، حيث رفضت السعودية والإمارات تسييس ملف الطاقة، كما رفضتا الدخول في الاستقطابات السياسية وأصرتا على موقف متوازن يدعو إلى السلام بدل الحرب، وإلى اعتماد آلية التفاوض السلمي، وإلى المساهمة في الإغاثة الإنسانية.. بعيداً عن ساحات الصراع العسكرية، حفاظاً على علاقات متزنة ومنسجمة مع مصالحهما وتطلعاتها المستقبلية.
لقد بدا هذا الموقف قوياً ومتيناً ومعبِّراً عن الحرص على السيادة الوطنية أمام القوى الكبرى التي فوجئت بهذا الموقف وبالقدرة العربية على مجابهة المستجدات عبر رؤية حكيمة دعت إلى إعادة ترتيب العلاقات العربية البينية وإلى التسامي فوق كل الخلافات. وهذا ما أحسب أنه دعا الإدارة الأميركية إلى مراجعة متأنية لسياستها نحو المنطقة.
ومن المتوقع أن تكون زيارة الرئيس بايدن فاتحةً لمرحلة جديدة في العلاقات العربية الأميركية، وقد كانت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى توسعة اللقاء العربي الأميركي، تعبيراً عن وحدة الموقف العربي، كما كانت دعوة الرئيس بايدن إلى قمة افتراضية تشمل الهند وإسرائيل ودولاً أخرى توسعة شاملة تعبر عن عمق المراجعة التي يقوم بها البيت الأبيض حول موقفه من قضايا الشرق الأوسط. من المؤكد أن القمة العربية مع بايدن ستبحث أمن الطاقة العالمي ودور دول الخليج العربية فيه، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وترتيب العلاقات مع إيران (بعد فشل الاتفاق النووي إلى الآن).
وستبحث القمة استعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية. وأرجو ألا تغيب عن هذه القمة القضيةُ السورية، فالحاجة ماسة إلى عمل جاد لإنهاء مأساة السوريين. ولا نطلب فوق المستطاع، بل حسبنا تنفيذ القرارات التي أقرها مجلس الأمن ووافق عليها الجميع.
*وزير الثقافة السوري السابق