الجيش الأميركي منهمك في الوقت الحالي بسبب الحرب الشرسة في أوكرانيا والتوترات بين الولايات المتحدة والصين حول بعض القضايا. لكن الجيش الأميركي لا يستطيع التأخر في اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ، وهو التهديد الاستراتيجي الأكثر إلحاحاً، والذي يتعين علينا مواجهته. عندما كنت ضابطاً بحرياً شاباً، لم أكن أنظر بعين الاعتبار للعديد من الموانئ الجميلة التي رسا فيها أسطولنا داخل الولايات المتحدة. والآن، يهدد ارتفاع مستوى سطح البحر العديد من هذه الموانئ. وبحلول منتصف القرن، سيشهد ميناء نورفولك بولاية فيرجينيا - أكبر قاعدة بحرية في العالم – وميناء مايبورت بولاية فلوريدا خسائر كبيرة في أرصفة الواجهة البحرية.
إن تغير المناخ يعرّض شبكتنا الأساسية الإستراتيجية للخطر. كما أنه يزيد الطلب على الموارد البحرية الشحيحة، لأنه يؤدي إلى حدوث المزيد من العواصف شديدة التدمير والتي لا يمكن التنبؤ بها. بصفتي قائداً بحرياً، فقد شاركت في العديد من جهود الإغاثة الإنسانية استجابة للكوارث الطبيعية، بما في ذلك الأعاصير الهائلة في جنوب شرق الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي، وحرائق الغابات في الغرب الأميركي، وأمواج تسونامي في المحيط الهادئ والعواصف في أميركا الوسطى. هذه الكوارث تزداد تواتراً. وفي الوقت نفسه، يشكل تغير المناخ تحدياً جديداً للأمن القومي من خلال توسيع جغرافية المحيطات. لقد تجمّد القطب الشمالي (أو الشمال العلوي كما يسميه أصدقاؤنا الكنديون مجازا) إلى حد كبير على مدار معظم العام عبر التاريخ المسجل.
والآن، يتفكك الجليد، وتكون ممرات الشحن مفتوحة معظم أيام السنة، ويمكن الوصول إلى رواسب الهيدروكربون الغنية. وهكذا، أصبح القطب الشمالي مكاناً أوسع لمنافسة القوى العظمى بين روسيا ودول حلف «الناتو»، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والدنمارك وأيسلندا والنرويج، وربما السويد وفنلندا قريباً. يؤدي تغير المناخ أيضاً إلى زيادة التوترات بين العالم المتقدم والبلدان النامية في أميركا اللاتينية وأفريقيا وجنوب آسيا من خلال خلق ظروف الجفاف في المجتمعات الزراعية الهشة بالفعل. قال وزير البحرية «كارلوس ديل تورو»: «تغير المناخ من أكثر القوى التي تزعزع الاستقرار في عصرنا، مما يؤدي إلى تفاقم مخاوف الأمن القومي الأخرى، ويشكل تحديات جدية للاستعداد». أصدر كل من البحرية والجيش مؤخراً أوراقاً بيضاء (تقارير) مدروسة جيداً حول هذا الموضوع، توضح المشكلات المستقبلية.
ومع ذلك، فإن هناك حاجة ماسة إلى أفكار ملموسة لمعالجتها. أولاً وقبل كل شيء، يجب على وزارة الدفاع تقليل انبعاثات الكربون الخاصة بها. فهي بحاجة إلى التحول من الوقود الهيدروكربوني إلى مصادر الطاقة المتجددة للاستخدام في عمليات النقل اليومية، وتقوية منشآتها، وخاصة الساحلية منها، لتكون قادرة على تحمل العواصف العنيفة وعوامل التعرية وارتفاع منسوب مياه البحر، وزيادة استخدامه للمنتجات المعاد تدويرها مع تقليل استخدام البلاستيك. وباعتبارها أكبر منظمة عالمية في العالم، فإن هذه الخطوات وحدها سيكون لها تأثير قابل للقياس في خفض الانبعاثات.
تتمثل الخطوة العاجلة الثانية في تطبيق قدرة البحث والتطوير الكبيرة لوزارة الدفاع على تحديات المناخ. لإدارة مسؤوليات القطب الشمالي التي بدأت بالظهور، على سبيل المثال، يجب على «البنتاجون» تطوير سفن بحرية محصنة (طرادات ومدمرات، على سبيل المثال) قادرة على المراقبة والعمليات القتالية في الشمال، وتدريب القوات البرية والجوية على الظروف القاسية لساحل القطب الشمالي، والنظر في زيادة السفن كاسحات الجليد، وبعضها يعمل بالطاقة النووية، وإنشاء أنظمة لوجستية مناسبة للمنطقة. ولمواجهة، ليس فقط القطب الشمالي المفتوح، ولكن أيضاً ارتفاع مستويات سطح البحر والطقس العنيف والأزمات الإنسانية التي يسببها الجفاف، تحتاج وزارة الدفاع إلى مركز أبحاث بيئي مخصص لتوليد أفكار لأشياء مثل أنظمة الطاقة النووية العسكرية الجديدة والمواد التي تتحمل العواصف والمساكن المؤقتة (سابقة الإعداد) ومخزون غذائي سهل النقل. يجب تصميم كل هذه العناصر بحيث يتم نقلها على مستوى العالم عبر القدرات الجوية والبحرية العسكرية.
يجب على مؤسسة الأمن القومي الأميركية أيضاً تنمية التعاون الدولي فيما يتعلق بتحديات المناخ. يتمتع خفر السواحل الأميركي بوضع جيد بشكل خاص للتفاعل مع القوات البحرية الأخرى في إنفاذ مصايد الأسماك، والتحكم في التلوث وأنشطة الإغراق، وإزالة البلاستيك. يجب أن تعمل وزارة الدفاع أيضاً مع الوكالات الأميركية الأخرى، بما في ذلك وزارة الأمن الداخلي (التي تضم خفر السواحل) على الاستجابة للكوارث الطبيعية الوطنية والدولية. إن كلا من وزارتي الخارجية والتجارة ووكالة حماية البيئة لديها برامج بيئية قوية يمكن أن تتزامن مع جهود وزارة الدفاع. يوجد فريق عمل مشترك بين الوكالات الأميركية لمكافحة المخدرات. لماذا لا يتم إنشاء فريق آخر للعمل بشكل جماعي على مواجهة التحديات المتعلقة بالمناخ؟ نظراً لأن الحكومات والشركات الخاصة تخصص المزيد من الطاقة والاهتمام لحماية المناخ، يجب أن تواجه مؤسسة الأمن القومي الأميركية أيضاً ما قد يكون تهديد القرن.
جيمس ستافريديس*
*قائد أعلى سابق لحلف «الناتو»، وعميد فخري لكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»