صناعة «النجم» الإعلامي في الإمارات
قرار سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، بإنشاء المكتب الوطني للإعلام محفزٌ للكتابة عن أفكار ورؤى إعلامية لعلها تُسهم في إثراء النقاش حول مستقبل الإعلام الوطني. وكما ورد في قرار سموه، فإن «إعداد قيادات إعلامية وطنية مؤثرة» يأتي من ضمن أهداف إنشاء المكتب الوطني للإعلام، وهي كلها أهداف في غاية الأهمية.
ولعل فكرة إعداد القيادات والشخصيات الإعلامية الفاعلة والمؤثرة محلياً وإقليمياً من أبرز هواجس المعنيين بتعزيز الحضور والتأثير الإعلامي الإماراتي على أكثر من مستوى (محلياً وعربياً ودولياً). فمشاريع دولة الإمارات العربية المتحدة التي رسخت مكانتها إقليمياً وعالمياً، وكذلك اهتمام القيادة بتعزيز قوة الإمارات الناعمة على كل المستويات تحتاج أيضاً إلى أذرع وكوادر إعلامية تُعبر باحترافية عن منجزات الدولة ورؤية القيادة وطموح المجتمع. فكما أصبح معروفاً أن «الإعلام يشكل نصف المعركة أو أكثر»، فقد صار مُلحاً العمل على تطوير استراتيجيات الدولة الإعلامية بما ينسجم مع النجاحات الباهرة التي تتحقق للإمارات على صُعُد السياسة الخارجية والاقتصاد والسياحة ومبادرات حوار الأديان والتعايش والتسامح. ولهذا تأتي مبادرة إنشاء المكتب الوطني للإعلام في غاية الأهمية؛ إذ لابد للدولة من إعلام متمكن ومؤثر ينقل منجزات الدولة ويعبر عنها بحرفية للداخل والخارج معاً.
ومحور «إعداد قيادات إعلامية وطنية مؤثرة» يأتي في صميم أي خطة لتطوير المؤسسات الإعلامية بكل أشكالها. الإعلامي المؤهل والمتمكن يستطيع أن يصبح من وجوه القوة الناعمة لمؤسسته ولبلاده. وهذا بالتأكيد يأتي من خلال استراتيجية مدروسة بدقة وخطة عمل تأخذ في الاعتبار التحولات المتسارعة في الصناعة الإعلامية وترصد أهم المنتجات الإعلامية الجديدة بكل منصاتها وتسابق الوقت للاستثمار الصحيح في المنصات الأقوى تأثيراً.
هذه الاستراتيجية لابد أن تضع التدريب والتأهيل ومن ثم إعطاء الفرصة للإعلامي الإماراتي المؤهل على رأس الأولويات. فحينما يجمع الإعلامي بين المهنية والمعرفة، يصبح مع الوقت رقماً مهماً في المشهد الإعلامي المحلي والإقليمي. المهنية تأتي بالتدريب والمتابعة والخبرة. والمعرفة تأتي عن طريق القراءة والاطلاع والسؤال.
وكل الأسماء الناجحة في المشهد الإعلامي العربي اليوم لم تولد بإمكاناتها التي تميزت بسببها ولكن بالجهد والدعم ووجود الفرص. مطلوب منا اليوم أن نصنع نجومنا بأنفسنا. ما الذي يمنع أن يكون لدينا عدد من المحاورين البارعين الذين تتنافس القنوات المحلية والعربية (وغيرها) على استقطابهم؟
أي نوع من الدعم تجده الأسماء اللامعة في المشهد الإعلامي المحلي من مؤسساتهم أولاً؟ وهل توجد لدينا خطة لتدريب وتأهيل أكثر من جيل من الإعلاميين الذين يستطيعون إدارة جلسات في مؤتمرات محلية وعالمية بكل احترافية، خصوصاً أن الإمارات تحتضن اليوم عدداً كبيراً من الفعاليات والمؤتمرات المهمة؟ وماذا عن برامج إعداد وتأهيل صحفيين قادرين على كتابة المقال المؤثر أو التحليل السياسي الدقيق؟
وما العائق أمام وجود عدد كبير من المؤهلين للمشاركة في النقاشات الإعلامية والحوارات التلفزيونية التي تشرح رؤية الدولة أو تدافع عن الوطن أمام هجمات إعلامية تستهدف المنجز الإماراتي وتسعى للتشكيك في مصداقية الخطاب الوطني؟ وفي مجال الإعلام الجديد ومنصاته المتنوعة وحجم تأثيره المتزايد، هل من خطط لاستثمار مدروس يسهم في دعم الأصوات الشبابية الواعدة وتلك التي بدأت تحقق بعض الحضور والتأثير المهم؟ وماذا عن تأهيل القيادات الإعلامية الشابة التي يفترض أن تصبح خلال سنوات قليلة قيادات جاهزة لإدارة مؤسسات ومشاريع إعلامية تنفق عليها الدولة المليارات؟
الإعلام ليس فقط مذيعاً ومذيعةً ذات حضور وإطلالة جميلة، وليس فقط مديراً مؤهلاً أو رئيس قسم نشطاً. الإعلام أيضاً صف طويل من الفنيين والكتاب ممن يسهمون بشكل مذهل في صناعة المادة الإعلامية من مخرجين ومصورين وفنيي صوت وإضاءة.. إلخ، كيف يمكن استثمار كليات ومعاهد الإعلام لتغذية مؤسساتنا الإعلامية بأكبر قدر من هذه الكوادر الفنية المؤهلة من أبناء وبنات الإمارات؟عودة إلى عنوان المقالة التي تشير إلى فكرة صناعة النجم الإعلامي، والنجومية إحدى مقومات التأثير الإعلامي: لماذا لا تهتم المؤسسات الإعلامية الوطنية وتلك المملوكة أو المدعومة إماراتياً بإبراز الصوت الإعلامي الوطني الناجح والمؤثر لضمان استدامة حضوره ونجوميته؟
واحدة من أدوات صناعة نجومية الإعلامي المحترف هو تكرار اسمه وحضوره بطريقة تُبقي اسمه راسخاً في ذاكرة الناس. خذ على سبيل المثال مقدمي البرامج الحوارية في القنوات التلفزيونية والمنصات العالمية، دائماً ما يذكر اسم المحاور أو المذيع ضمن عنوان البرنامج حتى يصبح اسم المذيع «علامة تجارية» تخدم مؤسسته الإعلامية وتشكل، مع الوقت، رافداً لقوة بلاده الناعمة.
إن تأهيل الإعلامي الإماراتي وإتاحة الفرص أمامه للبروز وترسيخ حضوره في المشهد الإعلامي، داخلياً وخارجياً، يحتاج إلى دعم مستمر من مؤسسته أولاً ومن بقية الجهات المعنية بتطوير الإعلام المحلي وفي مقدمتها المكتب الوطني للإعلام. المبهج في خبر إنشاء المكتب الوطني للإعلام أن من اتخذ هذا القرار وسيشرف على تنفيذه قيادي محترف عُرف بمتابعته الدقيقة لأدق التفاصيل وارتبط اسمه دائماً بالمشاريع والمبادرات الناجحة ولهذا جاء هذا القرار كبشرى بنقلة نوعية قريبة في مشهدنا الإعلامي.
*كاتب إماراتي