فنلندا والسويد.. وعضوية «الناتو»
عندما تأسس الناتو في عام 1949، كانت الحكومات في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية تعتبره وسيلة للأمن الجماعي ضد القوة العسكرية للاتحاد السوفييتي وحلفائه. لكن طوال الحرب الباردة، كانت هناك دولتان بارزتان خالفتا الدعوات للانضمام: السويد وفنلندا.
وبدلاً من ذلك، اتبعت هاتان الدولتان أسلوباً مختلفاً لضمان أمنها: سياسة رسمية تحافظان عليها بعناية، وتتمثل في عدم الانحياز والحياد.
الآن، بعد ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن من الزمان، دفع غزو القوات الروسية لأوكرانيا الحكومتين السويدية والفنلندية على حد سواء للتحرك صراحة نحو عضوية الناتو بعد البقاء لعقود بدونها.
وفي يوم الخميس، بعد أسابيع من المداولات الداخلية، أعلن الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو، ورئيسة الوزراء، سانا مارين، أنه يتعين على بلادهما «التقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو دون تأخير». ومن المتوقع على نطاق واسع أن تخرج السويد بإعلان مماثل الأسبوع المقبل، بينما أشارت الكتلة العسكرية إلى أنها ستقبل عروضهما.
سيشكل انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو أحد أكبر التغييرات في الحلف منذ عقود وتحولا صارخا لموقف البلدين على الساحة الدولية.
والسؤال: لماذا كانت السويد وفنلندا محايدتين؟ الإجابة أن هاتين الدولتين تبنتا سياسة الحياد خلال الحرب الباردة، حتى مع انضمام جارتيهما النرويج والدنمارك إلى الناتو. ولعقود، حافظتا على هذه السياسة، حتى مع توسع التحالف العسكري.
وعلى الرغم من أنهما كانتا محايدتين، إلا أن أسبابهما كانت مختلفة. فقد تبنت السويد سياسة رسمية للبقاء على الحياد أثناء النزاعات في القرن 19. وكانت آخر مرة خاضت فيها حرباً عام 1814، عندما كانت تحارب جارتها النرويج. وخاضت حربا ًضد الإمبراطورية الروسية انتهت عام 1809 بتنازل السويد عن الإقليم الذي سيصبح فنلندا.
وخلال الحرب العالمية الثانية، حافظت السويد على حيادها، ولم تنضم إلى الصراع - على عكس فنلندا والنرويج والدنمارك، حيث تم غزو الدولتين الأخيرتين على الرغم من ادعائهما الحياد.
وكان لدى فنلندا تجربة مختلفة، حيث قاومت الغزو السوفييتي في حرب الشتاء الوحشية 1939-1940. وواصلت الدولة، التي حصلت على استقلالها فقط في عام 1917، القتال ضد الاتحاد السوفييتي مرة أخرى، ثم ضد ألمانيا النازية خلال الحرب.
في النهاية، فقدت البلاد ما يقرب من 10% من أراضيها لكنها ظلت مستقلة. وبعد اتفاقية 1948 مع الاتحاد السوفييتي، أصبحت محايدة رسميا - على الرغم من أن احترامها لجارتها الأكبر يعني أن «الفنلدة» أصبحت كلمة ثانوية لنوع من السيادة المحدودة. (الفنلدة مصطلح يستخدم لوصف التأثير الذي قد يكون لبلد قوي على سياسات بلد أصغر مجاور).
إذن، متى بدأ التحرك بعيدا عن الحياد؟
لم تكن السويد ولا فنلندا محايدة تماما على الإطلاق. بعد عقود من انتهاء الحرب الباردة، تم الكشف عن أن السويد كانت تعمل بهدوء مع الناتو، بينما كانت الغواصات السوفييتية تضايقها – خاصة خلال حادثة «ويسكي أون ذا روكس» عام 1981 عندما جنحت غواصة سوفييتية من طراز «ويسكي» على الساحل الجنوبي للسويد.
لكن الأمور تغيرت حقاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. سرعان ما تخلت السويد وفنلندا عن مزاعم الحياد واختارتا عدم الانحياز عسكرياً. وانضمت كلاهما إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995.
وحدث تحول آخر بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. بعد هذه الخطوة، وبعد دعم موسكو للانفصاليين في شرق أوكرانيا، كثفت كل من فنلندا والسويد تعاونهما الرسمي مع «الناتو». وأعادت السويد، التي قلصت حجم جيشها بشكل كبير بعد نهاية الحرب الباردة، شكلاً محدوداً من التجنيد الإجباري في عام 2017.
ويبدو أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا يوم 24 فبراير قد دفع الأمور إلى ما بعد نقطة اللاعودة، حيث تدعم المشاعر العامة في كلا البلدين الآن عضوية «الناتو» بشكل حاسم. وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن 57% من السويديين، و76% من الفنلنديين يؤيدون ذلك.
وقال «كاي سوير، وكيل وزارة الخارجية والسياسة الأمنية في فنلندا، مؤخراً إن فنلندا كانت منذ فترة طويلة تفكر بشكل واقعي فيما يتعلق بخطر نشوب صراع. وأضاف: «هناك استعداد كبير جدا للدفاع عن البلاد».
وبينما تحركت الحكومة الفنلندية (يسار الوسط) بسرعة لاحتضان «الناتو»، كانت الحكومة السويدية، بقيادة حزب (يسار الوسط)، مترددة، حيث تحدثت رئيسة الوزراء السويدية «ماجدالينا أندرسون» ضد عضوية «الناتو» في مارس، لكن وسائل الإعلام المحلية ذكرت هذا الأسبوع أن البلاد سترسل طلبها الأسبوع المقبل.
والسؤال: كيف ستغير السويد وفنلندا «الناتو»؟ الإجابة: قد يكون التغيير الفوري هو الجغرافيا. يبلغ طول حدود فنلندا مع روسيا 830 ميلاً، فإذا انضمت إلى «الناتو»، فستضاعف حدود حلف شمال الأطلسي مع روسيا. وتسيطر السويد، رغم أنها لا تحد روسيا مباشرة، على جزيرة «جوتلاند» ذات الأهمية الاستراتيجية، على بعد 200 ميل فقط من الجيش الروسي في كالينينجراد.
كما أن كلا من السويد وفنلندا لديهما جيوش حديثة، مع معدات متوافقة مع أنظمة «الناتو». وتلبي فنلندا بالفعل هدف الإنفاق العسكري لحلف الناتو البالغ 2% من ناتجها الاقتصادي السنوي، بينما تبلغ هذه النسبة 1.4% في السويد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»