إيلون ماسك.. وليبرالية «تويتر»
بالنسبة لرجل نادراً ما يتردد في التعبير عن رأيه على «تويتر»، كان إيلون ماسك معروفاً بتحفظه فيما يتعلق بميوله السياسية. ومع ذلك، فقد نشر يوم الخميس تغريدة عبارة عن رسم تخطيطي قدم لمحة عن آرائه.
أشارت التغريدة إلى أنه يرى نفسه ليبراليا سابقاً، والذي فوجئ عندما وجد نفسه ينتمي ليمين الوسط بينما أصبح اليسار أكثر تطرفاً. كانت التغريدة بمثابة اعتراف غامض بواقع كان واضحاً بشكل صارخ في رد الفعل العام على محاولة ماسك شراء «تويتر»، وهي محاولة صاغها على أنها حملة من أجل «حرية التعبير». يشعر اليمين السياسي الأميركي بالابتهاج من هذا الاحتمال، في حين أن اليسار في حالة ما بين القلق والذعر.
دق الليبراليون ناقوس الخطر، حيث توقعت النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، «ديمقراطية» من نيويورك، «انفجار جرائم الكراهية»، ووصفت السيناتور إليزابيث وارين، «ديمقراطية» -ماساتشوستس، الصفقة بأنها «خطيرة على ديمقراطيتنا». في غضون ذلك، وصفها السيناتور «الجمهوري» تيد كروز، من ولاية تكساس، بأنها «أكبر تطور لحرية التعبير منذ عقود»، وأعربت النائبة اليمينية المتطرفة مارجوري تيلور جرين، جمهورية - جورجيا. قد تكون هناك بعض الألغاز في السياسة الأميركية التي يمكن فهمها بشكل أفضل من خلال عدم الاتصال بالإنترنت وقضاء الوقت في مجتمعات البلاد المتنوعة، والتي غالباً ما تكون ابتداعية. لكن هذا ليس واحداً منهم.
أفضل طريقة لفهم السبب الذي يجعل استحواذ أغنى رجل في العالم على تويتر هو أمر مستقطِب للغاية هو الخوض في العالم الذي يبدو أن ماسك نفسه يقضي فيه معظم وقته هذه الأيام: «تويتر». في اليوم الذي قبل فيه مجلس إدارة «تويتر» عرض ماسك البالغ 44 مليار دولار، خسرت حسابات «تويتر» الليبرالية الشهيرة مئات الآلاف من المتابعين - مما يشير إلى أن المستخدمين ذوي الميول اليسارية قاموا بإلغاء تنشيط حساباتهم احتجاجاً على ذلك. واكتسبت الحسابات المحافظة متابعين، وفقاً لتحليل أجرته شركة تحليلات وسائل التواصل الاجتماعي «سوشيال بليد» والموقع التكنولوجي «ذا فيرج».
لم يكن ماسك دائماً متماشياً مع اليمين. وزعم يوم الخميس على موقع «تويتر» أنه «أيد أوباما بشدة لمنصب الرئيس» قبل أن «يخطف المتطرفون الحزب الديمقراطي». ووصف نفسه عام 2014 بأنه «نصف ديمقراطي ونصف جمهوري». وأوضح في 2018 أنه «مُسجل كمستقل» و«معتدل سياسياً».
وبعد تعرضه لضغوط بشأن علاقته بالحاكم «الجمهوري» لولاية تكساس العام الماضي، قال ماسك إنه «يفضل البقاء بعيداً عن السياسة». حتى اهتماماته التجارية بدت في البداية أكثر انسجاماً مع اليسار. وأشار إلى تغير المناخ باعتباره الدافع وراء تأسيس شركته للسيارات، تيسلا، التي أشعلت ثورة تصنيع السيارات الكهربائية، واستفادت من دعم الطاقة الخضراء الذي وافق عليه «الديمقراطيون».
وفي عام 2017، استقال ماسك من المجالس الاستشارية للأعمال التي كان يرأسها الرئيس دونالد ترامب احتجاجاً على قيام ترامب بسحب الولايات المتحدة من اتفاقيات باريس للمناخ. ومع ذلك، فهو أيضاً رأسمالي قوي وناجح بشكل كبير، ويحتقر النقابات، والصواب السياسي والتدخل الحكومي - على الأقل، عندما لا يستفيد منها.
في السنوات الأخيرة، تعرضت شركاته لانتقادات بسبب ممارساتها العمالية، بما في ذلك مزاعم وجود ثقافة عنصرية وكراهية للنساء. وفي ديسمبر، نقل مقر شركة تسلا رسمياً من كاليفورنيا إلى تكساس. عندما اندلعت أخبار شراء ماسك لحصة رئيسية في شركة تويتر لأول مرة في بداية أبريل، بدا أن رد الفعل الحزبي يتوقف جزئياً على فكرة أن ماسك قد يعيد ترامب، الذي حظره تويتر نهائياً بعد الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي.
وبينما تشير بعض التقارير إلى إمكانية حدوث هذا، لم يشر ماسك إلى ترامب علناً. وبدلاً من ذلك، ما قاله ماسك عن تويتر في الأسابيع الأخيرة - وكيف ولمن قاله - هو ما أدى إلى تأجيج الانقسام. بدأ الأمر بإصرار «ماسك» المتكرر على أن هدفه من شراء «تويتر» هو جعله منصة «لحرية التعبير».
قد يبدو ذلك متفقاً مع الحزبين: اليسار واليمين يدعمان على نطاق واسع التعديل الأول، الذي يحمي الأميركيين من الرقابة الحكومية، ومفهوم حرية التعبير بشكل عام. لكن في سياق تويتر، تشير تصريحات ماسك للكثيرين إلى أن ما يقصده حقاً هو منصة أكثر تسامحاً مع المعلومات المضللة والمضايقات الشخصية والتنمر وخطاب الكراهية. يعرف المستخدمون المتحمسون للمنتديات عبر الإنترنت من التجربة أن ذلك يعني أن النساء والأشخاص الملونين سيواجهون جبالاً من الانتقادات اللاذعة.
نظراً لأن الخطاب المسيء أو المتعصب يأتي عادة بعواقب اجتماعية أو مهنية في العالم الحقيقي - وعلى الشبكات الاجتماعية التي تمارس الإشراف على المحتوى - فإن أي موقع يروج للإفلات من العقاب يصبح سريعاً نقطة جذب له. وعلى الرغم من أن الفئات المهمشة، التي تميل إلى الليبرالية، من المرجح أن تعاني في ظل نهج ماسك، إلا أن المحافظين سيستفيدون من اعتدال أكثر في المحتوى.
وجدت دراسة حديثة بقيادة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة «يل» حول مستخدمي تويتر الأميركيين المنخرطين سياسياً في كلا الحزبين أن 36 بالمئة من الحسابات «الجمهورية»، التي تمت دراستها قد تم تعليقها في الأشهر الستة التي أعقبت انتخابات 2020 مقابل 8 بالمئة من حسابات«الديمقراطيين».
غالبا ما يعزو المحافظون ذلك إلى التحيز السياسي من جانب «تويتر»، لكن الباحثين وجدوا أنه يمكن تفسير ذلك من خلال حقيقة أن «الجمهوريين» شاركوا كثيرا من المعلومات الخاطئة على المنصة.مع تقدم ماسك للحصول على تويتر، أظهرت تغريداته أنه يتبنى بحماس متزايد توقعات اليمين بشأن نظام عدم التدخل – ويزدري صراحة بشكل متزايد كل من اليسار وقيادة تويتر الحالية. مراراً وتكراراً في الأيام الأخيرة، انتقد «ماسك» أو وافق على انتقاد موظفي «تويتر» بشكل منفرد، بما في ذلك نشر ميمة تسخر من رئيسة السياسة فيجايا جادي لإنكارها «انحياز تويتر اليساري». أثار ذلك موجة من الانتقادات اللاذعة من بين أكثر من 80 مليوناً من أتباع ماسك، وبعضهم عنصري ومتحيز.
ويل أوريموس*
*كاتب متخصص في التقنيات الرقمية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»