مقترح السعادة بالعدالة
لا يوجد نظامٌ قضائي يتولى شرح أسباب الإدانة والعقوبة للمحكوم عليهم، فبعد أن يُتهم الشخص بالجريمة ويُواجَه بالأدلة، يَمثل أمام القضاة أو المحلّفين الذين يوازنون بين أدلة الإثبات والنفي، ثم يجدونه بريئاً أو مذنباً بناءً على ما يستقرّ في وجدانهم. لكن لأنّ الإمارات دولةٌ سبّاقة إلى كل ما هو خير، يأتي هذا المقترح.
بدايةً، لا شيء كالسجون يدلّلُ على الحسّ الإنساني لأي دولة، فهي أمكنة مغلقةٌ على غير القائمين عليها والقابعين فيها، وتضمّ أضعف حلقات المجتمع، والذين لا صوت لهم يتخطى أسوارها. ويحتاج السجين إلى الشعور بأنه عُومل بعدالة، جنباً إلى جنب حاجته للطعام واللباس والعلاج والتواصل مع أهله.
ويشعر السجين بالعدالة حين يعرف «مَا لهُ ومَا عليهِ»، بأن يجد الإجابة حين يتساءل: لِمَ أُلقي القبض عليّ؟ لِمَ أُسندت إليّ هذه التهمة؟ لِمَ لَمْ تأخذ المحكمة بدفاعي؟ لِمَ حُكم عليّ بهذه العقوبة بالذات؟ وكل هذه الأسئلة مشروعة حتى لو كان المتسائل يعرف أنه اقترف جريمةً ما. فأنْ يواجه هذا المصير لأنه اقترف جريمة، لا يعني أنه يعرف لماذا يواجه هذا المصير بالذات.
فلو حُكم على شخص عن جريمة السرقة بحمل السلاح، رغم أنه كان يحمل في أثناء السرقة مجرد مفك براغي، فإنه سيظلّ يشعر بأن ثمة خطأ في محاكمته، لأنّ المحكمة اعتبرت مفكّ البراغي سلاحاً، والحال أنّ غير المتخصص في القانون لا يخطر بباله أنّ مفهوم السلاح في جرائم السرقة يمتد حتى إلى مفكّات البراغي، باعتبارها سلاحاً بالاستعمال.
ولو حُكم على قاتل متعمّد بالمؤبد، وحُكم على قاتل متعمّد آخر بالسجن سبع سنوات، فإنهما لن يعرفا لِمَ تفاوتت العقوبة إلا إذا كانا يعرفان الفرق بين القتل العمد المسبوق بالإصرار أو الترصّد، والقتل العمد غير المسبوق بالإصرار أو الترصّد. وعدم المعرفة هذه ستكون كارثة على الأول، ومن الصعب أن يشعر بالعدالة وبالتالي الاتزان النفسي وهو قابع في السجن إلى الأبد، بينما قاتل آخر يخرج أمام عينيه.
وأي محكوم عليه متواضعُ الثقافة، لن يعرف لمَ حُكم عليه بذلك الحكم تحديداً وليس بأي حكم آخر. ولو وَضع المرءُ نفسَه موضع أي محكوم عليه، فقد يشعر بالهول، فأنت ستبقى خلف القضبان لعشر سنوات مثلاً مِن دون أن تعرف لِمَ بالضبط ستبقى تلك المدة، وليس خمس سنوات مثلاً.
عدم المعرفة هذه سيجرّ صاحبه نحو افتراضات لا أساس لها، لكنه سيعتقد بها، فقد يفترض أنه حُكم بتلك العقوبة لأمر يتعلق بجنسيته، أو محاباةً للمجني عليه، أو لتسرّع القاضي في الحكم، أو لخطأ في الإجراءات، أو لمؤامرة لا يعرف أبعادها.
وما دام السجين يعتقد أنه ظُلم، سيبقى يتقلّب على فراش العذاب حتى لو توافرت له كافة حقوقه الأخرى، فالقضية ليست في أنه تعرّض للظلم فعلاً أم لا، وإنما في شعوره هو نحو ما جرى له، واعتقاده هو بالنسبة لما وقع له.
أما كيف يمكن إشعار كل محكوم عليه بأنه عُومل بعدالة، فهو بتخصيص رجل قانون يعالج له هواجسَه القانونيةَ، كما يعالج طبيبُ السجن أمراضَه الجسديةَ. ففي مثال السرقة باستخدام السلاح، يجتمع بالسجين ويشرح له أنّ مفكّ البراغي يعتبر في نظر القانون سلاحاً، وحَمْلُ السلاح في السرقة يعتبر ظرفاً مشدداً، ومِن ثم كانت عقوبته على النحو الذي قُضي عليه بها. ويكفي أن يحظى كل محكوم عليه بفرصة اجتماع الشرح هذه مرة واحدة في الأيام الأولى من بدء فترة محكوميته.
يستحق السجينُ الجزاءَ عن الفعل الذي اقترفه، لكنه مع هذا يبقى شخصاً أخطأ ويستحق العونَ القانوني، وهو عونٌ سيتجاوز أثرُه السجينَ إلى أهله، ثم إلى المجتمع بأسره، حيث يقضي بعض مَن أخطأوا عقوبتَهم مِن دون الشعور بالظلم، مع ما يترتب على ذلك الشعور السلبي مِن أفكار وسلوكيات.
كاتب إماراتي