أدريان وولدريدج*
قبل بضعة أسابيع، كان ريشي سوناك الوريث الواضح لرئيس وزراء متعثر. فقد كان يعتبر يداً أمينة في وزارة معرضة للفشل وشخصاً نظيفاً في حزب ملطخ بالفضائح. واليوم، يتشبث سوناك بمنصبه كوزير للخزانة.

وذكرت صحيفة «صنداي تايمز» أنه فكَّر جدياً في الاستقالة الأسبوع الماضي. وهناك إشارات إلى أن رئيس الوزراء بوريس جونسون سيجبره على مبادلة منصبه مع وزيرة الخارجية ليز تروس.

واهتز سوناك بسبب كشفين مدويين ظهرا في تتابع سريع. الأول، هو أن زوجته أكشاتا مورثي تتمتع بوضعية «غير محلي»، مما يعني أنها ليست مضطرةً لدفع ضرائب للمملكة المتحدة على الدخل الذي تكسبه في الخارج، على الرغم من أنها تعيش في بريطانيا. وتمتلك مورثي 700 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 912 مليون دولار) في صورة أسهم في شركة «إنفوسيس المحدودة» العملاقة لتكنولوجيا المعلومات التي أسسها والدُها، والتي حصلت منها على أرباح قدرها 11.7 مليون جنيه إسترليني العام الماضي. والكشف الثاني تمثل في أن سوناك نفسُه حصل على البطاقة الخضراء الأميركية بعد أن أصبح وزيراً للخزانة.

والجدير بالذكر أن سوناك عاش في الولايات المتحدة عدة سنوات خلال حياته المهنية المبكرة، والتقى بزوجته حين كانا يدرسان في كلية ستانفورد للأعمال، ويمتلك شقةً في سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا. وعلاوة على كل ذلك، فقد أخطرت الشرطةُ، يوم 12 أبريل الجاري، كلا من سوناك وجونسون بأنه سيتم تغريمهما لحضورهما حفلات أثناء الإغلاق. وبعبارة أخرى، فقد تمت إدانتهما بخرق القواعد التي وضعوها لعموم المواطنين. صحيح أن مورثي ألغت الآن وضعيةَ «غير المحلي» احتراماً للشعور البريطاني بالعدل، وقدَّم سوناك نفسَه إلى كريستوفر جيدت، مستشار أخلاقيات رئيس الوزراء، لكن الضرر قد وقع.

فالضرائب والإنفاق هما جوهر عمل وزير الخزانة. ويبدو الأمر الآن كما لو أن سوناك يشرف على نظام يفرض حزمة قواعد على الأغنياء وحزمةً مختلفةً على الآخرين. واكتسب سوناك سمعةً كصاحب كفاءة ماهر. لكن تجربتَه الأولى في مأزق سياسي عصيب أضعفته. ونواب حزب المحافظين الذين يفكرون في احتمال أن يحلوا محل جونسون كرئيس للوزراء، ينظرون الآن إلى سوناك ليس باعتباره سياسياً ضعيفاً فحسب بل ساذجاً ميؤوساً منه. فكيف تخيل أن مسألة وضعية زوجته وبطاقته الأميركية الخضراء لن يتم طرحها؟ إن التمسك بجونسون المحنك في الخروج من المتاعب، أفضل من التمسك بمبتدئ. وأوضحُ المستفيدون من متاعب سوناك هو جونسون نفسُه. فقد ظهرت شائعات بأن الكشف عن البطاقة الخضراء ووضعية «غير محلي»، كل ذلك جزء من حملة منسقة من قبل «10 دوانينج ستريت» لصالح جونسون. لكن متحدثاً باسم الحكومة وصف الشائعات بأنها «غير صحيحة بالمرة». ومن بين المستفيدين الآخرين تروس (وزيرة الخارجية)، وبن والاس (وزير الدفاع) الذي لا يظهر كثيراً لكنه تقدم بين الشخصيات المفضلة في حزب المحافظين. وقد يكون من بين المستفيدين أيضاً وزير الخزانة السابق ساجد جاويد، على الرغم من أنه اعترف أيضاً بأنه يتمتع بوضعية «غير محلي» ولم يدفع ضرائب للمملكة المتحدة على أرباحه الخارجية حين كان مصرفياً. لكن هل يستطيع حزب المحافظين النجاة من التداعيات؟

من الواضح أن هذا الكشف جاء كهدية لحزب العمال الذي يسعى جاهداً لاستعادة معقل الطبقة العاملة من خلال تقديم المحافظين الجدد بقيادة جونسون باعتبارهم لا يمثلون إلا حزب الأغنياء القديم المتنكر. ومعطيات سوناك الشخصية تشير إلى مشكلتين أكبر على المدى الطويل لحزبه. الأولى تتمثل في الخطر الذي يشكله الاقتصاد الضعيف على الحزب الحاكم.

وقد يشهد هذا الشتاء احتجاجات واسعة النطاق مع ارتفاع معدلات التضخم، وانتشار نقص الغذاء والطاقة، كما شلت الإضرابات حركةَ أجزاء كبيرة من القطاع العام. والثانية تتمثل في هشاشة تحالف بريكسيت. فالتحالف يتألف من مجموعتين مختلفتين للغاية، هما الكوزموبوليتانيون الذين أرادوا تحرير بريطانيا من قيود الاتحاد الأوروبي من أجل متابعة الرأسمالية العاصفة التي تجوب العالم، والمنكفئون على أنفسهم الذين أرادوا حماية مصالحهم المحلية وطرائقهم الهادئة من العاصفة العالمية.

ولفترة من الوقت، بدا سوناك كما لو أنه أتقن فن رأب الصدع، حيث ظهر على أنه تكنوقراطي عالمي في نظر النخبة اللندنية ومؤيداً لبريكست لا يستهان به بالنسبة لناخبيه في شمال يوركشاير. والآن يوصف سوناك بأنه «مواطن بلا وطن». فهو زوج مليارديرة من بنجالور يحتفظ ببطاقته الخضراء كي يقرر العودة- في حالة عدم ازدهار حياته السياسية- إلى البلد الذي وصفه أحياناً، حتى وهو يشغل منصب وزير الخزانة، بأنه «الوطن». ويُظهر سقوط سوناك المدوي خلال الأسابيع القليلة الماضية مدى عدم جدوى التنبؤ بتقلبات السياسة. فقد يبادل جونسون المناصب بين سوناك وتروس. وقد تتحمل تروس عبء تردي حالة الاقتصاد. وربما تظهر فضيحة في الحزب مرة أخرى.

وربما يندم حزب العمل على عدم توقفهم عن مهاجمة سوناك، الرجل الذي أصبح تدميره في الانتخابات العامة أسهل من تدمير جونسون. لكن فيما يتعلق بالمستقبل ككل، هناك تنبؤ سياسي واحد في محله. فبريطانيا تعاني من أزمة عامة في القيادة، إذ إنه مع اختيار الأشخاص الأكفاء للعائد الأعلى والفرص العالمية في القطاع الخاص، لا يتبقى للأحزاب السياسية إلا ما يمكن وصفه تجاوزاً بأنه الطبقة الثانية من الكفاءات. وسقوط سوناك في الآونة الأخيرة، بعد مشوار مهني متألق، سيجعل اختيار الطبقة الأولى من الكفاءات للعمل بالسياسة أصعب.

أدريان وولدريدج*

*مؤلف وكاتب عمود متخصص في الاقتصاد العالمي

* ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»